رغم ازدهار فرص العمل .. بايدن يفشل في كسب الأصوات

رغم ازدهار فرص العمل .. بايدن يفشل في كسب الأصوات

في خطاب ألقاه جو بايدن في إحدى الكليات المجتمعية في كليفلاند في أوهايو قبل عام، أعلن الرئيس الأمريكي إشراقة جديدة من انتعاش سوق العمل تحت إشرافه.
قال، "مقياسي الوحيد للنجاح الاقتصادي هو حال الأسر العاملة، وما إذا كانت تعمل في وظائف تمنحها العيش الكريم. إننا نريد أن نصل إلى ما يسميه الاقتصاديون التوظيف الكامل. بدلا من أن نجعل العاملين يتنافسون فيما بينهم على الوظائف النادرة، نريد أن تتنافس الشركات في جذب العمال".
حقق بايدن وفريقه الاقتصادي هذا الهدف الأساس حسب كثير من المقاييس، انخفض معدل البطالة إلى 3.5 في المائة وأوجد أرباب العمل أكثر من ثمانية ملايين وظيفة جديدة في 15 شهرا فقط، ما أزاح المخاوف من أن سوق العمل قد تواجه الانتعاش البطيء نفسه الذي عانته لأعوام في أعقاب الأزمة المالية.
مع ذلك، فإن الاقتصاد "المحموم" المرغوب بشدة الذي دافع عنه البيت الأبيض والديمقراطيون في الكونجرس بعناد - تم تصميمه من خلال حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار التي تم إقرارها في آذار (مارس) 2021 - كان مصحوبا بمزيج فوضوي من التضخم المرتفع ونقص اليد العاملة واضطرابات سلسلة التوريد، وتفاقم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والموجات الجديدة من الإصابات بفيروس كورونا.
هذه العوامل تلقي بثقلها على الأسر والشركات الأمريكية، ما يعني أن بايدن وحزبه ليس لهما فضل سياسي يذكر في طفرة الوظائف ومكاسب الأجور قبل الانتخابات النصفية.
إنه لحكم مقلق في محكمة الرأي العام لإدارة أرادت بشدة تقديم منافع اقتصادية ملموسة للأمريكيين من الطبقة الوسطى، لتجنب رد فعل شعبوي جديد، وحتى تظهر أن الديمقراطية الأمريكية يمكن أن تقدم نتائج اقتصادية إيجابية.
أظهر استطلاع أجرته كل من شبكة سي بي إس نيوز وشركة يو جوف الأسبوع الماضي أن 36 في المائة فقط من الأمريكيين كانوا راضين عن طريقة إدارة بايدن للاقتصاد، في حين كان 64 في المائة منهم غير راضين، وهي فجوة كبيرة سيكون من الصعب للغاية سدها قبل انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، التي يتوقع معظم المحللين السياسيين أن يفقد الديمقراطيون فيها سيطرتهم على مجلس النواب وربما على مجلس الشيوخ.
قال مارك زاندي، الخبير الاقتصادي في شركة موديز أناليتيكس الذي قدم استشارات للحملات الرئاسية للحزب الديمقراطي والجمهوري، "إنها سوق عمل رائعة للعامل الأمريكي العادي، مع وجود كثير من الوظائف الشاغرة وكثير من الفرص". أضاف، "إذا أخبر شخص ما المسؤولين من إدارة بايدن أن هذا ما سيبدو عليه العالم اليوم، فسيقولون هذا رائع، سنرتقي عاليا في السياسة هنا'. لكن الحال ليست كذلك.
أضاف، "ما زال الناس مستائين ومتشائمين للغاية، وهم على حافة الانهيار".
في الأسابيع الأخيرة، سعى الرئيس وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين للدفاع عن سياساتهم الاقتصادية ردا منهم على انتقادات الجمهوريين وحتى بعض الديمقراطيين بأنهم أهالوا حوافز مفرطة في الاقتصاد، وأنهم رفضوا بشدة الخطر الذي يشكله ارتفاع الأسعار.
"إن التضخم مشكلة بالتأكيد، ومن الضروري معالجته. لكنني أعتقد في الوقت نفسه، أنه يجب أن ندرك كيف نجحت الحوافز في أن تقودنا إلى اقتصاد معاكس تماما لاقتصاد فيه عدد كبير من العمال غير القادرين أبدا على العثور على وظائف"، حسبما قالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية لأعضاء اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ هذا الشهر.
قالت هيذر بوشي، عضوة مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، "القدرة على خوض هذا الحديث حول التضخم في هذه اللحظة يرجع إلى أن كثيرا من الناس لديهم وظائف. إن وقع التضخم صعب على العائلات. وهذه القضية خطيرة ومهمة بالتأكيد، لكنها مختلفة عن ارتفاع معدلات البطالة".
أصرت هايدي شيرهولز، رئيسة معهد السياسات الاقتصادية ذات الميول اليسارية، على أن بايدن قد حول نموذج سوق العمل إلى الأفضل. قالت، "لقد شهدنا لأعوام دخول دفعة تلو الأخرى من الخريجين في أسواق عمل ضعيفة للغاية في أعقاب الكساد الكبير. لهذا الأمر تأثيرات دائمة بالفعل، ونحن لا نفعل ذلك للجيل زد. لقد وفرنا خيارات مختلفة وهذا أمر رائع بالنسبة إلى العمال".
لكن من الواضح أن فوائد سوق العمل الآخذ في الاتساع تتضاءل بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة التي تهز الأسر، حتى إن الزيادات الاسمية الضخمة في الأجور قد غطى عليها ارتفاع التضخم بطريقة ملموسة للغاية بالنسبة إلى الناخب العادي.
وفقا لاستطلاع مركز بحوث الشؤون العامة أيه بي-نورك الذي أجري هذا الشهر، قال 51 في المائة من الأمريكيين إن سياسات بايدن كان "ضررها على الاقتصاد أكثر من نفعها"، بينما قال 18 في المائة إن سياساته ساعدت الاقتصاد في حين يعتقد 30 في المائة منهم أنها لم تحدث أي فرق.
قال جيسون فورمان، الاقتصادي في جامعة هارفارد والمستشار السابق للرئيس الأسبق باراك أوباما، "هذا العام هو أسوأ عام نمر به منذ 40 عاما من حيث الأجور الحقيقية. هناك عدد قليل من الناس يكسبون وعدد كبير يخسرون، لذا لا أجد عدم رضا الأشخاص الذين تأثروا بأكبر انخفاضات في أجورهم على الإطلاق عندما تم تعديلها بحسب التضخم مفاجئا".
سعى بايدن إلى إظهار تعاطفه مع الأمريكيين غير الراضين عن المشهد الاقتصادي. "لكل عامل قابلته كان أمامه مجالا للبحث عن وظيفة براتب أفضل، لكل رائد أعمال اكتسب الثقة من أجل تحقيق أحلامه في إنشاء شركة صغيرة، أعلم أن العائلات في جميع أنحاء أمريكا متضررة بسبب التضخم"، كما قال بايدن في وقت سابق من هذا الشهر.
لكن إدارته لديها أدوات محدودة لتغيير هذه الديناميكية. كان مسؤولو البيت الأبيض يأملون في أن تمرير تشريعهم الاقتصادي "إعادة البناء بشكل أفضل" الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار، بما في ذلك الزيادات الضريبية على الأثرياء وإعانات رعاية الأطفال، من شأنه أن يهدئ الاقتصاد وأن يوسع توفر العاملين على المدى المتوسط والطويل، لكن المعارضة في الكونجرس أحبطت تلك الخطط.
قال أوستن جولسبي، أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو والمساعد الاقتصادي السابق لأوباما، "لا يستطيع البيت الأبيض السيطرة على الأمور. إن الموقف الراهن ليس موقف انتظار وترقب، بل يجب عليك الانتظار لأن تغير هذه الأمور يستغرق وقتا طويلا".
أضاف جولسبي، "عندما يتكرر ظهور متحورات للفيروس، فإن ذلك يعيق تغير الأمور، وعندما تشن حروب تؤدي إلى ارتفاع تكلفة السلع، فإن ذلك يعيق التغير أيضا".
في النهاية، أصبح الآن مصير سوق العمل في رئاسة بايدن - والآمال السياسية للديمقراطيين - في يد الاحتياطي الفيدرالي، الذي يشرع في دورة من زيادة أسعار الفائدة لترويض التضخم، بهدف تهدئة سوق العمل دون أن يتسبب بحدوث ركود جديد.
قال زاندي من "موديز أناليتيكس" إن المعنى المثالي لهذا هو إبطاء وتيرة التوسع في جداول الرواتب من متوسط قدره نحو نصف مليون وظيفة شهريا إلى ما بين 100 إلى 150 ألف وظيفة تقريبا في الشهر، وذلك لتجنب سيناريو "يتجاوز فيه الاقتصاد التوظيف الكامل" ويصل معدل البطالة إلى أقل من 3 في المائة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى دوامة أشد خطورة في الأجور والأسعار.
أضاف، "إن الأمر يتعلق حقا بتحقيق النمو معتدلة دون السير في الاتجاه المعاكس، وهذه هي العملية التي نحن في منتصفها ويمكنك أن تشعر أن ذلك بدأ بالحدوث فعلا".

الأكثر قراءة