المخدرات.. تسميم لأوردة الاقتصاد
تختلف عن الحروب التقليدية .. ففيها لا تستخدم المدرعات ويستنجد بالطائرات، ولا مكان للمفرقعات، ولا يحتاج القتل فيها إلى المتفجرات. في هذه الحرب الشرسة يستهدفون الأطفال، يوقعون الشباب، ويصرعون الكبار. فيها يستغل انشغال الأسرة أسوأ استغلال، ويستثمر تدني الوعي. أضرارها تمتد إلى أعوام بل عقود، وكوارثها تحل بالاقتصاد، وشرورها تدمر المجتمع. في هذه المعركة تخطط العصابات، ويمكر المروجون، وتدفع الملايين لتدمير مقدرات الأمة. فيها لا توجد خطوط حمراء، بعضها يجر بعضا.
في عالم المخدرات يتداخل الخاص بالعام، الإهمال بالاستهداف، المال بالفقر. يدمن الأب فتتفكك الأسرة، يختلط الشاب بأصدقاء السوء فيتحول إلى مجرم، تحرك المادة الأساطيل فتقع فتاة بسيطة في براثن المخدرات ووحولها.
مكافحة هذه الآفة ليست مسؤولية الدولة وحدها، ولا هي مهمة رجال مكافحة المخدرات بمفردهم، ولا يمكن أن يفلت المجتمع من التبعات إن هو تهاون، ولن يسلم الاقتصاد من الضرر. المخدرات هي ما نقصده فهل بات أحد يجهلها؟
"الاقتصادية" تفتح اعتبارا من اليوم ملفا خاصا يناقش قضية المخدرات من جوانب عدة في محاولة للمساهمة في تسليط الضوء على هذا الأمر الخطير.. هنا التفاصيل:
#2#
#3#
العالم تحت وطأة المخدرات
المخدرات.. هذه الآفة الخطرة باتت تهدد كيانات الدول.. تقض مضاجع قادتها لما لها من أضرار ومخاطر على الجوانب الصحية والاجتماعية والأمنية واقتصادات الدول، وتشير ورقة عمل طرحها عبد الإله بن محمد الشريف في ورشة عمل "المخدرات والشباب في المجتمع السعودي" والتي أقيمت أخيرا، إلى العديد من دول العالم تئن من تفشي ظاهرة المخدرات بين مواطنيها، حيث تأتي دول ألبانيا، أوكرانيا، مقدونيا، صربيا، الهند، نيبال، وجامايكا من أكبر الدول تصديرا لمادة الحشيش المخدرة ثم المكسيك، فأمريكا، ثم كندا، فيما تأتي أفغانستان من أكبر دول العالم إنتاجا للهيروين بكل المقاييس، بينما تعد بلجيكا وهولندا من الأكبر تصديرا لمادة الكبتاجون.
وأوردت الورقة أن دول بلجيكا، التشيك، أيرلندا، إسبانيا، فرنسا، وبريطانيا الأكبر في نسبة تعاطي الحشيش بين فئة النشء من طلاب المدارس، لافتة إلى أنه يوجد في أمريكا نحو 25 مليون مدمن على الحشيش 10 في المائة منهم أطفال، كما تعاني المكسيك من ازدياد تعاطي وإدمان النشء من سن (8 إلى 10) خصوصا تعاطيهم الحشيش والكوكايين.
ويوضح الشريف في ورقته، أن إيران تعد من أكبر دول العالم في ضبطيات الأفيون لعام 2007، فيما تعتبر تركيا أكثر دول العالم ضبطيات للكبتاجون في 2007، وتعد فرنسا الأكثر نسبة تعاطي للكوكايين في فرنسا وأكثر انتشارا بين سن (15 و64)، فيما تعد هولندا، روسيا، وأوكرانيا الأكبر نسبة إصابة بفيروس الإيدز بين مدمني المخدرات بسبب تعاطي الهيروين بالحقن، كما تعد بريطانيا أكثر دول العالم نسبة تعاطي وإدمان للأمفيتامينات "الكبتاجون" وينتشر بين الأشخاص من سن (16إلى 59).
ضبطيات الداخلية تؤكد استهداف المملكة
إن الأرقام التي تعلنها وزارة الداخلية من ضبطيات لكميات كبيرة ومهولة من المخدرات تؤكد أن المملكة مستهدفة من أعدائها في الخارج، حيث إن هناك منظمات وخلايا خارجية تحاول استهداف المملكة وأمنها ودينها ومقدراتها عن طريق تهريب المخدرات وتوزيعها داخل البلاد وبالمجان بشرط أن توزع على السعوديين، وذلك لمعرفتهم بثقل ودور هذه البلاد عالمياً فهي قبلة المسلمين. وأشارت الإحصائيات التي أوردتها ورقة العمل التي طرحها عبد الإله الشريف إلى ذلك، عندما أوردت أن المملكة تعتبر من أكثر دول العالم ضبطا للكبتاجون في عام 2006، في مؤشر خطير. ويدعم ذلك الضبطيات التي تعلن عنها "الداخلية" بين الحين والآخر، في تأكيد واضح على حرص المملكة على القضاء على هذه الآفة الخطيرة والتي تهدد مقدرات الوطن وأمنه وسلامة مواطنيه. وقد أعلنت أخيرا وزارة الداخلية أنها كشفت عن شبكة محلية مرتبطة بجهات خارجية امتهنت تهريب أقراص الكبتاجون المخدرة إلى المملكة. جاء ذلك على لسان المتحدث الأمني في وزارة الداخلية بأن يقظة رجال مكافحة المخدرات ومتابعتهم لجميع الآثار الدالة على بؤر الفساد ونشاطاتها الإجرامية للاتجار بالمخدرات وغسل الأموال قد أسفرت - بتوفيق الله - عن الكشف عن شبكة محلية على ارتباط بجهات خارجية امتهنت تهريب المخدرات من أقراص الكبتاجون المخدرة إلى المملكة وترويجها فيها, حيث تم القبض على المتورطين في نشاطاتها الإجرامية في عدة مناطق من المملكة وعددهم 19 شخصاً منهم سبعة سعوديين و 12من جنسيات عربية وضبط بحوزتهم مليونا قرص من أقراص الكبتاجون المخدرة كانت مجهزة للترويج في أوساط صغار السن والشباب من أبناء المجتمع, إضافة إلى مبالغ مالية نقدية بلغت 5.8 مليون ريال و13 سيارة.
#4#
المملكة تحارب الآفة بعد تأسيسها بعامين
وأكد الباحث الشريف، أن حكومة المملكة حرصت على محاربة آفة المخدرات بعد تأسيسها بعامين أي في عام 1353هـ الذي صدر فيه أول نظام لمكافحة المخدرات، ثم أدى ذلك إلى عدة قرارات وتعليمات ومبادئ من أجل مكافحة المخدرات الدخيلة على المجتمع السعودي وحماية أبنائه من هذا الداء الفتاك، وجاء بعد ذلك إنشاء المديرية العامة لمكافحة المخدرات.
والمنطلقات التي تعمل منها المديرية هي أن قضية المخدرات قضية ضربت دول العالم والمملكة مستهدفة في عقيدتها وشبابها، وأنها قضية وطنية يجب العمل على محاربتها بشتى الطرق والوسائل، وتعزيز مشاركة الجهات وأفراد المجتمع في مجال التوعية والوقائية والحماية. ورؤية المديرية بشأن تنفيذ الاستراتيجية هي العمل على الحد من انتشار آفة المخدرات والمؤثرات العقلية وخفض الطلب عليها وبالتالي الحد من العرض، تعزيز المشاركة الجماعية مع الجهات حكومية وغير الحكومية وجميع المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية والجمعيات الأهلية للعمل على تحقيق السياسة التي ترسمها اللجنة الوطنية وفق ما جاء في الاستراتيجية الوطنية، تحقيق التفاعل مع أفراد المجتمع رجالا ونساء لتحقيق الأهداف المنشودة في تحصين المجتمع من أدران آفة المخدرات. وتهدف الاستراتيجية للحد من انتشار ظاهرة المخدرات بين أفراد المجتمع، تعريف وتثقيف وحماية النشء والشباب والفتيات من مخاطر المخدرات وكيفية الوقاية منها، إيجاد وعي أسري اجتماعي وصحي لدى النشء والشباب والفتيات بالأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات، العمل على نقل من وقعوا في براثن الإدمان قسرا والتعاون مع المصحات العلاجية في علاج إدمان المخدرات ومتابعتهم وإدخالهم برامج الرعاية اللاحقة، ومتابعة ورعاية المتعافين من إدمان المخدرات بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية.
#5#
الآثار الاقتصادية: قلة الإنتاجية.. وهجرة الأموال دون عوائد
وتشكل مشكلة تعاطي المخدرات عبئا اقتصاديا على المتعاطي في الآثار الاقتصادية والقومية المترتبة على ذلك، من منظور الدكتور أشرف محمد بن علي شلبي من المركز الوطني لأبحاث الشباب في جامعة الملك سعود، في ورقة شارك بها في ورشة العمل "المخدرات والشباب في المجتمع السعودي"، هي زيادة الفقر، حيث يعد تعاطي المخدرات من أسباب الفقر والحاجة والضائقة المالية لكثير من الأسر، ومن أسباب ترك العمل وزيادة البطالة في المجتمع. زيادة ارتكاب الجرائم، فتعاطي هذه الآفة من العوامل المؤثرة في زيادة ارتكاب الجرائم بأنواعها ولا تخلو دراسة لكل أنواع الجرائم تقريباً من دور لتعاطي المخدرات والإدمان عليها، كما قد يرتكب المتعاطي السرقة، النهب، التزوير، والقتل بغرض الحصول على المال لشراء المخدرات. انهيار اقتصاد الدولة، حيث يؤثر التعاطي للمخدرات على الوضع الاقتصادي للبلاد بسبب كثرة التهريب، وهجرة العملة الصعبة دون عوائد أو فائدة، وكذلك تقل الإنتاجية، وبالتالي ينخفض مستوى الدخل وتزداد تكاليف المعيشة ويتردى مستواها بين طبقات المجتمع. اختلال الأمن، قد يؤدي التعاطي إلى الثراء غير المشروع للمهربين والمروجين في مقابل ضعف اقتصاد الدولة وزيادة الفروق الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى نقص إيرادات الخزانة العامة من الرسوم والضرائب وينعكس ذلك في اختلال الأمن، وفي فرض ضغوط اقتصادية على العملة المحلية.
#6#
ويؤيد ذلك الدكتور محمد بن علي الزهراني متخصص في علم النفس الإكلينيكي والمشرف العام على مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام مدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية في المنطقة الشرقية، في ورقة طرحها في الورشة ذاتها، مضيفا أن الآثار الاقتصادية للإدمان تتمثل في تكلفة شراء المادة المخدرة والتي قد تصل لمبالغ طائلة فكم من مدمنين خسروا ملايين بسبب المادة المخدرة، عدم الالتزام والتركيز في العمل، الإساءة إلى الأهل والأبناء، ما يصدر منه أثناء وتحت تأثير التعاطي (حوادث وتكسير وفقدان لأشياء ثمينة). إضافة إلى أن القروض ظاهرة اجتماعية واقتصادية تنتشر لدى المدمنين والأصحاء، حيث يلجأ المدمن لأخذ قروض صغيرة أو كبيرة من المحيطين به لتوفير المادة المخدرة التي يتعاطاها، وعادة ما يلجأ المدمن لهذه القروض بعد أن يبدد كل أمواله وأشيائه الخاصة، فتضغط القروض على المدمن حتى بعد تعافيه وقد تكون سببا للانتكاس.
كما يتفق معهما الدكتور إبراهيم بن محمد الزبن رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في كلية العلوم الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حول الآثار الاقتصادية فالأضرار بالنسبة للفرد تذهب بأموال متعاطيها إلى خزائن التجار الذين صدروها وتفننوا في سبل انتشارها والإغراء بها، لأن الفرد الذي يقبل على المخدر يضطر إلى استقطاع جانب كبير من دخله يصرف عليه، فتسوء حالته المالية، ويفقد ماله، كما دلت الإحصائيات على أن المخدرات لها أسوأ الأثر في المتعاطي فتجعله يكره العمل، وتحول المدمن إلى شخص عصبي غير منتج، كما أنه يفقد القدرة على التركيز نتيجة قلة نومه مما يؤدي إلى سوء الحكم على الأشياء.
#7#
ويشير الباحث في ورقته إلى أن الآثار بالنسبة للأسرة تمثل عبئا اقتصاديا شديدا على دخل الأسرة، حيث ينفق رب الأسرة جزءا كبيرا من دخله للحصول على المخدر ومستلزماته، ويؤثر ذلك بالطبع تأثيرا خطيرا في الحالة المعيشية العامة للأسرة من النواحي السكنية والغذائية والصحية والتعليمية وجميع الجوانب الأخرى، أما بالنسبة للمجتمع فالآثار تتمثل في أن انتشار تعاطي المخدرات يؤدي إلى زيادة عدد أفراد الشرطة وموظفي السجون، بحيث إذا لم تكن هذه الظاهرة، لأمكن أن يتجه هؤلاء الأفراد إلى مجالات صحية أو اقتصادية أو ثقافية، مؤكدا أن تعاطي المخدرات يمثل عبئا ثقيلا على الدخل القومي، فهناك خسارة اقتصادية محققة، إلا أن هناك خسائر أفدح، حيث إن تعاطي المخدرات يؤدي إلى انتشار الجريمة ومخالفة القوانين وارتكاب أفظع الجرائم مثل السرقة بالإكراه.