التضخم في ألمانيا الأعلى منذ ربع قرن .. تدابير التهدئة لم تعد تجدي نفعا
ارتفع التضخم في ألمانيا خلال الشهر الجاري، إلى أعلى مستوى في أكثر من ربع قرن، بضغط من ارتفاع أسعار الطاقة التي لم تعد تدابير التهدئة تجدي معها نفعا.
وأضح مكتب الإحصاء الاتحادي أمس، أن أسعار المستهلك، المنسقة لجعلها قابلة للمقارنة مع بيانات التضخم من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ارتفعت 10.9 في المائة على أساس سنوي.
وكان محللون استطلعت "رويترز" آراءهم قد توقعوا ارتفاعا بـ 10 في المائة، وتعد هذه الزيادة هي الأعلى منذ 1996.
وترجع الزيادة في التضخم إلى صعود تكاليف الطاقة 43.9 في المائة، مقارنة بشهر سبتمبر من العام الماضي، بعد انتهاء عرض لخفض تذاكر النقل وضريبة الوقود بنهاية أغسطس.
ويواجه الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا شبح الانكماش خلال الأشهر المقبلة وسط أزمة اقتصادية تتصدرها الطاقة، وذلك بحسب توقعات معاهد البحوث الاقتصادية الرائدة في ألمانيا.
وقال تورستن شميت، الباحث الاقتصادي من معهد لايبنيتس للبحوث الاقتصادية بالعاصمة برلين أمس، إن الوضع سيزداد سوءا خلال العام المقبل، نظرا لأنه من المتوقع الوصول لأعلى أسعار للطاقة بالنسبة للمستهلكين في منتصف 2023.
ولفت إلى أن الاستهلاك الخاص لن يتعافى من جديد إلا بحلول 2024، ومثلما تم الإعلان من قبل، فإنه من المتوقع في تقرير الخريف حدوث ركود في ألمانيا، كما تتوقع انكماش الاقتصاد على مدار ثلاثة أرباع سنوية متتالية.
ويتوقع الخبراء أن 2022 بأكمله سيشهد نموا اقتصاديا طفيفا 1.4 في ظل التحسن، الذي تمت معايشته في النصف الأول من العام، ولكنهم يتوقعون لـ 2023 تراجعا في الأداء الاقتصادي 0.4 في المائة في المقابل لا تتوقع المعاهد مواجهة نقص في الغاز حاليا.
وقال شميت "في المدى المتوسط، ليس من المتوقع حدوث نقص في الغاز في ألمانيا في الشتاء القادم"، ولكنه أشار إلى أن وضع الإمداد سيظل متوترا للغاية.
وأعلنت شركة "جي إف كيه" الألمانية لأبحاث المستهلكين في مقرها في مدينة نورنبرج أمس، أن مؤشرها للمناخ الاستهلاكي في ألمانيا في أحدث رصد له تراجع إلى مستوى جديد غير مسبوق منذ بدء المسوح 1991 إلى سالب 67.7 نقطة. وفيما تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة مخاطر الإفلاس بسبب ارتفاع التكاليف، قال خبير الاستهلاك في الشركة، رولف بوركل: "تؤدي معدلات التضخم المرتفعة للغاية حاليا - التي تبلغ نحو 8 في المائة- إلى خسائر كبيرة في الدخل الحقيقي بين المستهلكين، وبالتالي إلى تقلص القوة الشرائية".
ويضطر عديد من الأسر حاليا إلى إنفاق مزيد من الأموال على الطاقة أو تخصيصها لفواتير التدفئة باهظة التكلفة، وهو ما يدفعهم إلى تقليص الإنفاق على بنود أخرى، مثل عمليات الشراء الجديدة.
وقال بوركل: "هذا يتسبب في انخفاض مناخ المستهلك إلى مستوى قياسي جديد"، ولا يرى بوركل تحسنا يلوح في المستقبل القريب. وأضاف "بما أنه لا يمكن التنبؤ الآن بالوقت الذي سيخفت فيه التضخم مجددا، فإن أوقاتا عصيبة تنتظر مناخ الاستهلاك في الأشهر المقبلة".
ولا يتوقع خبراء الاقتصاد تحسنا ملحوظا في التضخم حتى منتصف العام المقبل على الأقل، إذ إنه كلما ضعف الاستهلاك الخاص، زاد الاتجاه نحو الركود.
وذكر بوركل أن السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي لديها المشكلة نفسها، موضحا أنه إذا استمر البنك في رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فإنه سيخاطر بذلك بتأجيج الركود في الوقت نفسه، حيث تتراجع الاستثمارات عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، مشيرا إلى أن بعض الشركات اضطرت بالفعل إلى خفض إنتاجها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. وبتكليف من مفوضية الاتحاد الأوروبي تستطلع الشركة آراء ألفي شخص شهريا في ألمانيا حول وضعهم فيما يتعلق بإجمالي النفقات الاستهلاكية الخاصة.
وتواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا شبح الإفلاس بسبب انفجار الأسعار في أسواق الطاقة.
وقال الاتحاد الألماني للشركات الصغيرة والمتوسطة إن الوضع يزداد سوءا، مضيفا أن عديدا من الشركات أعربت في استطلاع حديث أنها تخشى من الإفلاس.
وفي الاستطلاع الذي شمل أكثر من 1100 شركة خلال الفترة من 23 حتى 26 سبتمبر الجاري، ذكرت 52 في المائة من الشركات أن ارتفاع أسعار الطاقة يهدد وجودها.
وفي استطلاع مماثل أجري في أغسطس، كانت نسبة الشركات التي أعربت عن هذه المخاوف 42 في المائة، وأكدت 25 في المائة من الشركات تقريبا أن أسعار الطاقة تضاعفت بشكل كبير بالفعل.
ودعا رئيس الاتحاد، ماركوس يرجر، الحكومة الألمانية إلى تقديم مساعدات سريعة للشركات، مقترح صندوق طوارئ متوسط الحجم بقيمة 15 مليار يورو. وكان وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أعلن خططا لتقديم مساعدات حكومية إضافية للشركات.
يأتي ذلك في وقت تراجعت فيه خطط الشركات في ألمانيا للتوظيف في جميع القطاعات، إذ أعلن معهد "إيفو" للبحوث الاقتصادية أن مؤشره للتوظيف تراجع إلى 99.5 نقطة في سبتمبر، بعد أن سجل 11.9 نقطة في أغسطس الماضي.
وفي سياق متصل، كشف المكتب الاتحادي للإحصاء بألمانيا عن أن صافي الدخل الشهري لدى أكثر من ربع المتقاعدات والمتقاعدين بألمانيا يقل عن ألف يورو.
وأوضح المكتب أمس، أن هذا كان ينطبق على 4.9 مليون شخص في ألمانيا في 2021، أي 27.8 في المائة من المتقاعدين في ألمانيا.
وأشار المكتب إلى أن نسبة من يحصلون على مثل هذا الدخل زادت بين النساء ووصلت إلى 38.2 في المائة، فيما تراجعت بين الرجال إلى 14.7 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما زاد خلال الأعوام العشرة الأخيرة 11 في المائة، ووصل إلى 18.4 مليون شخص في 2021، فيما زاد عدد السكان في ألمانيا بشكل إجمالي خلال الفترة الزمنية ذاتها 3.6 في المائة فقط، ووصل إلى 83.2 مليون شخص.