الفيضانات تلوح بأزمة غذائية للبلد الأكبر تعدادا للسكان في إفريقيا .. ستفقد 75 % من المحاصيل الزراعية
استثمر عثمان موسى كل مدخراته البالغة 1300 يورو في حقله المزروع أرزا على مساحة عشرة هكتارات وسط نيجيريا، غير أنه بات غارقا تحت المياه وسط أسوأ فيضانات منذ عقد تجتاح البلد الأكبر تعدادا للسكان في إفريقيا.
يتجول رب العائلة البالغ من العمر 38 عاما في مركب خشبي، شاقا طريقه في المياه الموحلة، فيعبر أمام ما تبقى من منزله ومدرسة الحي ومستشفى منطقته، وحدها السطوح تظهر اليوم في ولاية كوجي.
وغطت المياه حقول السورغم والذرة والأرز والخضار في القسم الأكبر من نيجيريا، ويحذر المزارعون والعاملون في المجال الإنساني من أزمة غذائية تهدد البلد.
وكانت نيجيريا البالغ عدد سكانها نحو 215 مليون نسمة، تعاني بالأساس مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي، في ظل تضخم مرتفع.
ومع الفيضانات، قد يتفاقم هذا الوضع إذ أعلنت الحكومة أن 110 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية دمرت بالكامل حتى الآن منذ أغسطس.
وقال كبير إبراهيم رئيس جمعية مزارعي نيجيريا "لا تزال الفيضانات متواصلة، لكن يمكننا القول إننا سنخسر 60 إلى 75 في المائة من المحاصيل المرتقبة".
وأضاف "الأمر في غاية الخطورة. كثير من الناس يتشكون".
وأوقعت الفيضانات أكثر من 600 قتيل وتسببت في نزوح 1.3 مليون شخص بحسب آخر البيانات الصادرة عن سعدية عمر فاروق وزيرة الشؤون الإنسانية.
سباق ضد الجوع:
غالبا ما تشهد نيجيريا فيضانات في موسم الأمطار، لكن هذه الظاهرة كانت على قدر نادر من الشدة هذا العام، ويشير السكان والمسؤولون على السواء إلى التغير المناخي وسوء التخطيط وانهمار مياه السدود لتبرير هذه الفيضانات.
وتم توجيه إنذار مسبق إلى المزارعين لكن ذلك لم يكن كافيا.
وقال إبراهيم الذي تمثل جمعيته 20 مليون مزارع "تبعنا التوقعات وتجنبنا الزراعة في المناطق المعرضة للفيضانات، لكن الخراب في كل مكان".
وحذر بأن الصعوبات ستزداد "في نهاية العام أو مطلع العام المقبل".
وسجلت نيجيريا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، الشهر الماضي تضخما في أسعار المواد الغذائية وصل إلى 23.3 في المائة، نتج خصوصا عن تبعات أزمة وباء كوفيد - 19 وعواقب التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
وبمواجهة العصابات الإجرامية التي تنشط في المناطق الريفية، اضطر كثير من المزارعين إلى مغادرة حقولهم.
وأدرج برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة نيجيريا بين الدول الست التي تواجه أكبر مخاطر مستويات كارثية من المجاعة في العالم.
وقال حسيني عبدو مدير منظمة "كير" غير الحكومية لنيجيريا إن "عواقب الفيضانات على الإنتاج الغذائي تمثل خطرا حقيقيا على البلد وقد تتسبب في أزمة غذائية كبرى".
تدابير وقائية:
لا يقتصر الدمار الناجم عن الفيضانات على الأراضي الزراعية، بل يطول أيضا الطرق والجسور ويحد من الإمدادات الغذائية.
وأوضح آري إيسن ممثل صندوق النقد الدولي في نيجيريا لـ"الفرنسية"، "كنا نأمل أن يتراجع التضخم مع المحاصيل المرتقبة، لكن الآن بعد الفيضانات، ثمة نقطة استفهام كبرى" مطروحة بالنسبة للمستقبل.
وعد هناك "خطرا بارتفاع التضخم".
وشهدت نيجيريا عام 2012 فيضانات مدمرة خلفت أضرارا بقيمة 17 مليار دولار، بحسب البنك الدولي، والبلد بحاجة إلى مساعدة فورية لكن صندوق النقد الدولي رأى أن الاستثمار في تدابير وقائية سيكون أقل تكلفة.
وأكد إيسن أنه يجدر بالدول الاستثمار من أجل "مساعدة الشعوب على التأقلم مع هذا النوع من الأحداث" بدل معالجة التبعات "بعد وقوع" الكارثة.
وفي هذه الأثناء، أعلنت الحكومة أنها تضاعف جهودها لمساعدة المواطنين.
وصادق الرئيس محمد بخاري في هذا السياق على توزيع 12 ألف طن من الحبوب لكن المزارعين لا يعرفون إذا كان هذا كافيا.
وحظر بخاري استيراد الأرز عام 2015 سعيا لتشجيع الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي، غير أن كبير إبراهيم رأى أن إعادة السماح بهذه الواردات "لن يكون مستبعدا إذا أصبح الوضع حرجا".
وحذرت وكالات الأرصاد الجوية من احتمال حصول فيضانات جديدة حتى نهاية نوفمبر.