«سمايل» .. رعب ذاتي يواجه المصاعب بابتسامة
تلعب الابتسامة دورا في تقريب المسافة بين الأشخاص، وتشكل جواز عبورنا إلى قلب الآخر، فتختصر في لحظة كثيرا من الانفعالات والكلمات، قد تنهي عراكا أو تخفف عبئا، نستخدمها في لحظات الفرح، ونهرب إليها في لحظات الحزن، لكن ابتسامتنا اليوم تختلف عن جوهر الابتسامة في معانيها المتنوعة، ولعل فيلم " ابتسامة - Smile" من أكثر الأفلام التي تتحدث عن الابتسامة، رغم أن تصنيفه يقع ضمن فئة الرعب الكلاسيكي، إلا أنه يطرح أسئلة حول هوية ما تختزنه مكنوناتنا الضعيفة من خبايا تحولنا إلى أشباح نطارد أوهاما، ونسجن أنفسنا داخل أقفاص مقيدة، نهرب إلى اللامكان بحثا عن لا شيء، نسير دربا شائكا يحيطه الرعب وينتهي بحتمية الانتحار التي لا تقبل أي جديلة.
إذا ما تلك الحبكة المتشابكة للفيلم الذي أخرجه صانع الأفلام القصيرة باركر فين الذي يدخل عالم السينما وهوليوود لأول مرة بشكل فعلي؟
شيطان خفي
البداية مع شيطان خفي يقوم بمهاجمة مرضى عند طبيبة نفسية، ويؤدي هذا الشيطان إلى موت مرضاها بطريقة بشعة ومفاجئة، فما كان منها إلا أن تبدأ مطاردته، لكن تصيبها لعنة وتصطدم بمواجهات ماضيها القاسي، في رحلة هروبها من حاضرها المرعب. إنه فيلم يمكن تسميته بالرعب الذاتي، حيث تخرج النفس الإنسانية مخزونها من الذكريات المخيفة والبائسة والوحشية في لحظة ما دون مقدمات، فتغتال صاحبها وأحيانا يمتد أذاها إلى الآخرين.
ما بين المريضة والطبيبة
داخل جناح للأمراض النفسية، توجد طبيبة نفسية تدعى روز كوتر، تؤدي دورها الممثلة سوزي باكون، تشهد حادثة انتحار بشعة ومأساوية في إحدى المصحات لمريضة تدعى لورا ويفر، تؤدي دورها الممثلة كايتلين ستايسي، وهي طالبة دكتوراه، شاهدت أستاذها ينتحر أمامها، ودخلت في حالة من الصراع الذاتي، حين بدأت تدعي أن كيانا خفيا ما يطاردها، ودائما يظهر لها في شكل شخص يبتسم لها بجنون وبلا توقف.
جريمة تعيد الماضي
بعد أن قامت لورا بذبح نفسها من الأذن إلى الأذن أمام روز الطبيبة، تشعر هذه الأخيرة بالذنب وكأنها السبب وراء إقدام الفتاة على الانتحار، كما تبدأ بمواجهة أحداث مخيفة تعجز عن تفسيرها، وتسقط في متاهة لعنة لا يمكنها التحرر منها إلا إذا واجهت ماضيها المزعج. حيث أعاد مشهد انتحار الشابة إلى ذاكرة الطبيبة روز مشهد انتحار والدتها أمامها في طفولتها.
أوهام وخوف
من جهة أخرى، تتابع روز أيضا حالة شاب يدعى كارل، وخلال هذه الفترة تطلب أن يتم تقييد كارل لأنه يبتسم لها ويصرخ بأنه سيموت، ليتبين بعد ذلك أن كارل كان نائما طوال الوقت، وما يحصل مجرد أوهام وليدة أفكار روز المبعثرة وخوفها الدائم على صحتها العقلية. تبدأ الطبيبة اكتشاف الحقائق المتعلقة بالإصابة الغامضة التي لحقتها، لكن في الوقت عينه تنهار علاقاتها الإنسانية، حيث يعتقد مديرها في المصحة أنها بحاجة إلى الراحة، فيمنحها إجازة رغم رفضها، ويرى صديقها تريفور أنها أصبحت شبه مجنونة فيتركها، وترفض شقيقتها هولي الحوار معها.
أصيبت بلعنة .. فمن صدقها؟
بعد أن فقدت الأمل بكل من حولها، تجد روز المحاصرة بهلوسة وأوهام، صديقا سابقا يعمل ضابطا للشرطة، يصدقها ويقف معها، يجمع لها من المعلومات ما يشير إلى أنها الرقم 20 من بين من أصيبوا بتلك اللعنة. تحاول روز البحث عن تفسير وحل لما أصابها لكيلا تلقى مصير مرضاها نفسه.
نجاح المؤثرات والموسيقى
على الرغم من أن الفيلم يستند إلى فيلم قصير أخرجه باركر في 2020 تحت اسم Laura hasn't slept. وعلى الرغم أيضا من أنها التجربة الأولى لباركر كفيلم طويل، إلا أنه استطاع أن يمزج ما بين الابتسامة والأحداث الدموية المرعبة، وتفوق في المؤثرات البصرية والتصوير، فجاء مبهرا بكادرات رائعة وألوان قاتمة وانتقالات سريعة تواكب نوعية الرعب المقدم في العمل، ما أبعد التكرار والملل.
أما الموسيقى التصويرية فلقد كانت متوافقة مع العمل السينمائي، كانت مرعبة بحد ذاتها حاملة لشعور الترقب ومهيأة للمقبل في أي لحظة، ولهذا أدخلت المشاهد في أجواء مخيفة ومشوقة.
إيرادات ونقد إيجابي
حقق الفيلم نسبة عالية من الإيرادات منذ أن بدأ عرضه في دور السينما العربية والعالمية، وصلت إلى أكثر من 105 ملايين دولار في شباك التذاكر، وهو ما يعد نجاحا خارقا، هذا وانتشرت بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة الترويج للفيلم، خاصة بعد أن شهدت بطولة الـLMB الأمريكية للبيسبول، وجود بعض الأشخاص يبتسمون بطريقة مخيفة مقلقة، يمكن تسميتها ابتسامة صفراء، مرتدين قمصانا كتب عليها كلمة Smile طيلة وقت المباراة، ما أثار قلق البعض وضجت جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بهذه الصور، ليتضح أن ما حدث كان إعلانا ترويجيا عبقريا للفيلم المرتقب، ولعل طريقة التسويق والترويج هذه كانت سببا في هذا النجاح وتحقيق تلك الإيرادات.
ورغم كل الصدى الذي لاقاه على مواقع التواصل الاجتماعي، وطرحه عديدا من الأسئلة، وفتحه جلسات نقاش لا تنتهي، وبين من صدقه، وعده مستمدا من قصة حقيقية، وبين من رأى فيه نمطا مكررا من أفلام الرعب المعهودة، تمكن الفيلم من الحصول على تقييم 78 في المائة على موقع "روتن توماتيس"، وعلى 6.9 على موقع "أي إم دي بي"، وعلى 68 في المائة على موقع "ميتاكريتيك"، حيث أشاد النقاد بقفزات الفيلم وتراتبية الأحداث، والمشاهد الدرامية، والنبرة المظلمة المقلقة، إضافة إلى أداء أبطال الفيلم المميز.
لم تكن نهاية الفيلم تقليدية، بل استمر الرعب وأكمل المخرج اللعنة التي دامت 115 دقيقة، وتنتهي في النقطة نفسها من دون أي حلول جذرية، ولعل السبب وراء ذلك أنه يحاول إيصال فكرة أننا لا نستطيع أبدا الهروب من صدمتنا، الصدمة التي يتغذى عليها شيطان الابتسامة. ومع ذلك، كان من الممكن تصوير هذا بشكل أكثر إثارة من الشيطان الذي تغلب على روز في صراع جسدي وامتلاكها. هذا يثبت فقط أن الشيطان لم يستطع التغلب على روز عقليا في النهاية، بل يخالف الشيطان قواعده الخاصة حتى تستمر اللعنة.
وعلى الرغم من أنه لا يجب أن يكون لكل فيلم نهاية سعيدة ليتم اعتباره مكتملا أو جديرا بالاهتمام، لكن نهاية فيلم "الابتسامة" دون أدنى شك ستكون بداية للعنات أخرى مستقبلية، لكن المغزى كان واضحا حول كيفية تأثير الخوف في حياتنا وتحويلها إلى جحيم، ويسلط الفيلم الضوء على كيفية التعامل مع دواخلنا، فإن لكل إنسان أسراره وماضيه وخبايا نفسه، لكن لو فقد سيطرته عليها سينقلب الأمر عليه وعلى من أحبهم. وفي الختام ما اللعنة التالية لفين باركر؟!