صناعة الرقائق .. من طفرة حادة إلى ركود ملحوظ
إذا كانت لدى وول ستريت أي شكوك حول السرعة التي تحول بها الازدهار في صناعة الرقائق إلى ركود، فإن التوقعات المالية القاتمة والمفاجئة من شركات مثل شركة كوالكوم لصناعة رقائق الهواتف المحمولة كان ينبغي أن تضع حدا لهذه الشكوك.
قال أكاش بالكيوالا، المدير المالي للشركة، للمحللين هذا الشهر، "هذا التغيير خلال فترة قصيرة من الزمن هو تغير غير مسبوق. انتقلنا من فترة تميزت بنقص الإمدادات إلى تراجع في الطلب".
كانت شركة كوالكوم قد اقتطعت 25 في المائة من إيراداتها المتوقعة للربع الحالي حيث كان لضعف الإنفاق الاستهلاكي أثر سلبي في مبيعات الهواتف الذكية. جاءت هذه التوقعات في وقت أصدر فيه بعض الشركات الرائدة في صنع الرقائق توقعات ضعيفة للمبيعات والأرباح بشكل مفاجئ، وأشار إلى قيامه بجولة لتقليص الوظائف قريبا.
حذرت شركة أيه إم دي من أن مبيعات هذا الربع من معالجات أجهزة الحاسوب الشخصية ستنخفض 40 في المائة عن العام الماضي، مع ضعف غير متوقع في هوامش الربح. فيما أشارت شركة إنتل، التي خفضت توقعات الإيرادات مرة أخرى بعد خفضها بشكل كبير في الربع السابق، إلى أنها ستسرح الآلاف من الموظفين تنفيذا لخطتها في تقليص نحو عشرة مليارات دولار من التكاليف بحلول 2025.
عندما بلغت أسعار الأسهم ذروتها قبل عام، كان من السهل الاعتقاد أن صناعة الرقائق دخلت في حقبة جديدة. سانجاي ميهروترا، الرئيس التنفيذي لشركة ميكرون لصناعة رقائق الذاكرة، قال آنذاك، إن الأسواق الجديدة العملاقة كانت بدأت تنفتح "من الهواتف المحمولة والخدمات السحابية إلى السيارات الكهربائية والميتافيرس". وقد تسببت مشكلات سلاسل التوريد في نقص في الرقائق على نطاق واسع، ما أدى إلى تعويم أسعارها.
عندما سئل ميهروترا في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" عما إذا كانت شركات الرقائق لا تزال عرضة لمثل هذه الحلقات المفرغة التي ضربتها في الماضي، قال، "إن صناعتنا مختلفة، وبالتأكيد، شركة مايكرون مختلفة تماما". لكن بعد أقل من عام، عادت حلقات الرقائق المفرغة بقوة.
في أيلول (سبتمبر)، حذرت شركة مايكرون من أن إيراداتها هذا الربع ستنخفض إلى 4.25 مليار دولار، بانخفاض 45 في المائة عن العام الماضي. قالت الشركة أيضا إن هامش ربحها الإجمالي سينهار من 46 إلى 25 في المائة. ردا على ذلك، خفضت ما يقرب من نصف الإنفاق الرأسمالي المخطط له في العام المقبل.
في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، انخفض مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات 47 في المائة من ذروته، مقارنة بهبوط بلغ 26 في المائة في السوق الأوسع. لكن منذ ذلك الحين، بعد أن أكدت شركات الرقائق مخاوف المستثمرين بشأن عمق الانكماش، عاد المؤشر لينتعش 16 في المائة على أمل أن يلوح عمق قاع الدورة الحادة في الأفق.
بالنسبة إلى وول ستريت، فقد طغت شدة الانكماش الدوري المفاجئ على الإجراء الذي اتخذته الولايات المتحدة الشهر الماضي بمنع بيع الرقائق ومعدات تصنيعها المتقدمة إلى الصين. هذه الخطوة، التي من المحتمل أن تؤثر في نمو مبيعات الصناعة على المدى الطويل، بالكاد تم ذكرها في الجولة الأخيرة من مكالمات الأرباح.
إن شدة الانكماش الأخير ترجع بشكل كبير إلى فائض المخزون الذي تراكم بسرعة مذهلة. بينما أدى ازدهار الطلب على عديد من المنتجات والخدمات الرقمية خلال الجائحة إلى شعور المديرين التنفيذيين لشركات الرقائق مثل ميهروترا من شركة مايكرون بالتفاؤل، ما أدى إلى توقعات بفترة قوية من النمو طويل الأجل في المستقبل.
في الوقت نفسه، أدى نقص الرقائق إلى تراكم متعمد في مستويات المخزون للوقاية من صدمات العرض مستقبلا.
أدى ذلك إلى ترك الصناعة عرضة للتحول المفاجئ الذي حدث هذا الصيف. وباستشعارهم أن طلب المستهلكين كان آخذا في الانخفاض، بدءا من أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، قام عديد من صانعي الأجهزة بخطوات لتقليل مخزونهم المتخم، ما أدى إلى وقف الطلبات الجديدة ودفع بصانعي الرقائق نحو الانهيار.
أسهمت عوامل أخرى في زيادة العرض، بما فيها القفزة في الطاقة العالمية لتصنيع الرقائق. وفقا لدان هاتشسون، رئيس شركة أبحاث الرقائق في إل إس آي، فإن قدرة الرقائق عالميا - وهي أقراص سيليكون يتم حفر الرقائق عليها - قد ارتفعت من 1.06 مليار بوصة مربعة في أوائل العام الماضي إلى 1.22 مليار بوصة في سبتمبر هذا العام، أي قبل معدلات التوسع الصناعية العادية بكثير.
قال بات مورهيد، المحلل في مور إنسايت آند ستراتيجي، إن الطاقة الزائدة قد تصبح ميزة راسخة في السوق.
قال مورهيد أيضا، إن محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقليل اعتمادهما على خطوط الإمداد العالمية ستؤدي إلى "تجزؤ" عالم الرقائق. أضاف أنه مع سعي كل دولة أو منطقة كبيرة إلى بناء سعة فائضة كافية لحماية نفسها من الصدمات غير المتوقعة، يمكن أن تصبح الطاقة الزائدة هيكلية.
لكن، على الأقل، قد تكون نهاية المرحلة الأولى من الانكماش الحاد تلوح في الأفق.
كما توقعت شركة كوالكوم الأسبوع الماضي أن يستغرق صانعو الهواتف الذكية في التخلص من مخزونهم الفائض ربعي عام، مع وصولها إلى أدنى نقطة في مبيعاتها في الربع الحالي. كما أشارت أيه إم دي إلى إمكانية تصفية الفائض بحلول الربيع المقبل، ما يشير إلى فترة أكبر من الاستقرار.
قال بعض المحللين أيضا إن شدة بعض التوقعات الأخيرة المفاجئة، التي كانت أقل بكثير من توقعات وول ستريت، تشير إلى أن أدنى نقطة للسوق قد تكون وشيكة.
قال هاتشسون، "نحن في طريقنا إلى نقطة الاستسلام"، مشيرا إلى استعداد واضح لشركات الرقائق لوقف محاولاتها اليائسة وشطب بعض من مخزونها الفائض.
مع ذلك، فإن إنهاء عملية التصحيح الحاد سيجعل الصناعة عرضة لأي ضعف أوسع نطاقا في الاقتصاد العالمي، مع خطر فقدان الأمل في تعافي الطلب على الرقائق في النصف الثاني من العام المقبل.
يمكن لمبيعات الرقائق العالمية أن تنخفض عند أي مستوى يراوح بين 6 و20 في المائة للعام بأكمله، وفقا لتوقعات شركة في إل إس أي - على الرغم من الحدة المفاجئة التي تراجعت فيها المبيعات هذا العام، مع أن التنبؤات بمثل هذه النطاقات الواسعة يمكن أن تخالف الصواب.
لا يزال الطلب مرتفعا في بعض أسواق الرقائق، وفقا لمسؤولين تنفيذيين في الشركات التي أعلنت اخيرا أرباحها. إذ تتصدر شركات السيارات هذه القائمة، مع استمرار الإمدادات في النقص والارتفاع المتزايد في الطلب على السيارات الكهربائية وأنظمة مساعدة السائق المتطورة.
الطفرة الأخيرة في الإنفاق الرأسمالي من قبل أكبر شركات التكنولوجيا ضمنت مبيعات قوية للرقائق لمراكز البيانات التي تعمل على نطاقات واسعة. كما استمر النقص في الرقائق التناظرية - التي تستخدم في أمور مثل إمدادات الطاقة وأجهزة الاستشعار.
مع ذلك، فإن بعض أكبر أسواق أشباه الموصلات بدأت تدخل فترة مختلفة تماما. فبعد ازدهار مبيعات أجهزة الحاسوب خلال الجائحة عندما أجبر ملايين الأشخاص على العمل والدراسة من المنزل، إلا أنها سرعان ما تراجعت، حيث يشير عديد من التوقعات إلى انخفاض مبيعاتها 20 في المائة هذا العام، إلى نحو 275 مليون جهاز.
سلط الخلاف الحاد على توقعات العام المقبل الضوء على احتمالية زيادة خيبة الأمل. قالت شركة إنتل إنها تعتقد أن الطلب على أجهزة الحاسوب قد ارتفع بشكل دائم نتيجة للجائحة، حيث أصدرت توقعات قوية مفاجئة للمبيعات الشهر الماضي تراوح بين 270 و295 مليون جهاز.
على النقيض من ذلك، توقعت شركة أيه إم دي انخفاضا آخر 10 في المائة - وذلك يشير إلى أن المبيعات يمكن أن تنخفض إلى نحو 250-255 مليون جهاز حيث ترجع بذلك صناعة أجهزة الحاسوب إلى مستويات ما قبل الجائحة.
كشفت الجولة الأخيرة من تقارير الأرباح الفصلية أيضا تفشي الضعف الذي شوهد لأول مرة في طلب المستهلكين على أجهزة الحاسوب الشخصية والهواتف الذكية، بينما أفادت التقارير بأن أسواق الألعاب والشركات والصناعة قد شهدت تراجعا ملحوظا في زيادة الطلبات.
بينما توقعت شركة تكساس إنسترومينتس، التي تبيع مجموعة أوسع في الأسواق من معظم شركات الرقائق، أن تشهد ضعفا في الطلب من جميع أسواقها النهائية قبل نهاية العام الحالي، باستثناء شركات صناعة السيارات.