يستثنى من تحية المسجد الخطيب المسجد إذا دخل لخطبة الجمعة
أكد الشيخ محمد بن صالح الخزيم مدير المعهد العلمي في محافظة البكيرية, أن الناظر إلى الواقع اليوم يجد كثيرين ممن يعبدون الله ويتقربون إليه ملتزمين بالعبادات المالية والبدنية، غير أن بعضهم - بل كثيرين - بمعزل عن أغلب أحكام تلك العبادات، سواء كانت بدنية كالصلاة على اختلاف صورها، أو كانت مالية كالزكاة، وكذلك الحج.
وقال البعض من الناس لا يعرف من العبادة إلا صفتها وهيئتها، وما أن يعرض له أدنى حكم شرعي حتى يحس بالحيرة والارتباك، فيبحث عن ذلكم العالم أو المفتي ليزيل لبسه، ويحل إشكاله، وإن كان هذا ضروريا إلا أن الذي ينبغي أن يكون عليه أهل الإسلام الإحاطة بتلك الأحكام ليدرك فضيلة قوله: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (رواه البخاري ومسلم)، ويعبد الله على علم وبصيرة.
وقال: بما أن هذا الأمر ربما يتعذر في حق البعض، وحرصا على نشر العلم، ورجاء فضله، ولكثرة المسائل، فقد استعنت بالله ذي العلم والفضل على بحث بعض المسائل، جامعا جملة من أحكامها لكل مسلم، بأسلوب سهل ميسر مختصر، معتمداً الدليل الشرعي، ومستنداً إلى مباحث أهل العلم لتقريب المسائل والأحكام، ومشيرا في الهامش إلى المصادر لمن أراد الاستزادة والمراجعة.
وأوضح أن من هذه المسائل (تحية المسجد) التي تعبدنا الله بها فأسأله العون والسداد، وتحية المسجد ركعتان يصليهما الداخل إلى المسجد، وهي سنة إجماعا في حق كل من دخل المسجد، لعموم الأخبار (انظر فتح الباري: 2/407).
وبين أن الذي يستثنى من تحية المسجد خطيب المسجد إذا دخل لخطبة الجمعة فلا يصلي ركعتين، وأيضاً قيّم المسجد الذي يوالي إلى المسجد لتكرار دخوله فتشق عليه، كما لا تسنّ في حال من دخل المسجد، والإمام في صلاة مكتوبة، أو بعد الشروع في الإقامة لأن الفريضة تغني عن تحية المسجد (سبل السلام: 1/320).
وذهب البعض إلى استحباب تكرار التحية، لكل مرة إذا تكرر الدخول إليه، أخذ به النووي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ظاهر كلام الحنابلة (المجموع: 4/75).
وذهب الشوكاني - رحمه الله -: إلى أن تحية المسجد مشروعة، وإن تكرر الدخول إلى المسجد لظاهر الحديث (نيل الأوطار: 3/70) والله أعلم.
وأشار إلى أن الحكمة من تحية المسجد هو أنها تؤدى إكراما للمسجد، كأنها في دخول المنزل بمنزلة السلام، كما يسلم الرجل على صاحبه عند لقائه.
ويرى الخزيم أن هناك عدة مسائل تتعلق بتحية المسجد وهي على النحو التالي:
المسألة الأولى: مشروعية تحية المسجد في جميع الأوقات لأنها من ذوات الأسباب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. وقال به مجد الدين أبي البركات، وابن الجوزي، وغيرهما, وبهذا الحكم أخذ شيخنا محمد بن عثيمين وصححه (الشرح الممتع: 4/179)، وكذلك شيخنا ابن باز - رحمه الله – (انظر فتاوى مهمة تتعلق بالصلاة).
المسألة الثانية: وقت تحية المسجد عند الدخول، وقبل الجلوس، أما إن جلس عامداً عالماً فلا يشرع له القيام للإتيان بها، حيث فوت وقتها.
المسألة الثالثة: من دخل المسجد وجلس جاهلا، أو ناسيا قبل الإتيان بالتحية، شرع في حقه القيام والصلاة ركعتين؛ لأنها لا تفوت بالجلوس في حق المعذور، بشرط ما لم يطل الفصل اتفاقاً (انظر فتح الباري: 2/408).
المسألة الرابعة : من دخل المسجد والمؤذن يؤذن، فالمشروع في حقه أن يجيب المؤذن، ويؤخر تحية المسجد ليدرك أفضلية الإجابة، إلا إذا دخل المسجد يوم الجمعة وقد بدأ الأذان للخطبة ففي هذه الحال يقدم تحية المسجد على الإجابة، لأن سماع الخطبة أهم. (الإنصاف: 1/427).
المسألة الخامسة: من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يسن له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويخففها ويكره له تركها (الفتاوى لابن تيمية: 23/219) لحديث: "فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" (رواه البخاري: 1163، ومسلم: 714)، وحديث: "فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" (رواه البخاري: 931، ومسلم: 875)، أما إذا كان الخطيب في آخر الخطبة وغلب على ظن الداخل إن صلى التحية لم يدرك أول الصلاة، وقف حتى تقام الصلاة، ولا يجلس حتى لا يكون جلس في المسجد قبل التحية. وهناك مسائل أخرى لا يتسع المقام لذكرها .