الاستثمار في 2023
يقول ريتشارد فينمان الفائز بنوبل في الفيزياء، "من الممكن أن نتأكد أننا 100 في المائة خطأ، لكن لا يمكن أن نتأكد أننا 100 في المائة على صواب"، لذلك أي شيء نقوله عن الاستثمار يحكمه مدى الاحتمالات.
هذه الملاحظات أقرب إلى السوق الأمريكية، لأنها أسهل للدراسة وليس بالضرورة للاستثمار.
هناك عادة منظاران للاستثمار، الأول كلي بمعنى الاهتمام بالعوامل والمؤشرات الكلية للاقتصاد والمال، والثاني يرى ميدان التحليل في القيمة الجوهرية للشركات.
هناك فرسان وأوقات لكليهما، وليس هناك ما يمنع من توظيف المنظارين معا حسب الظروف الموضوعية وحسب منطلقات كل مستثمر. المهم تقييم المرحلة.
سيطر سياق واحد منذ بداية الثمانينيات بعد السيطرة على التضخم ونزول الفائدة بداية من 1982 حتى بداية 2022، على الرغم من الأزمة المالية العالمية التي جعلت السلطات النقدية والمالية على استعداد لأزمة كوفيد، هذه الأزمة أدت إلى تذبذبات في الأسواق، لكن أيضا قابلها فرص، فمثلا ارتفع مؤشر 500 S&P من 667 في آذار (مارس) 2009 إلى 3386 في شباط (فبراير) 2020، وتضاعف أيضا المؤشر في الفترة من مارس 2020 إلى أول يوم من 2022، فترة أربعة عقود كانت جيدة، نما الاقتصاد لكن بوتيرة محدودة ولم تكن هناك بطالة، والأهم أن نسب الفائدة وصلت تقريبا إلى الصفر ما رفع أسعار الأصول.
السياق تغير بحكم موجة التضخم الجديدة وبدأ استثماريا مع رفع الفائدة في مارس 2022 ـ ارتفاع مؤثر في فترة تاريخيا قصيرة.
على الرغم من أن التضخم بدأ رحلة النزول، إلا أنه سيستمر عاملا مؤثرا في هذا العام، ولذلك بدأت الفائدة ترتفع بنسبة أقل من الماضي على أمل أن يحسم الجدل حول التوجهات الاقتصادية بين من يتنبأ بركود خفيف وقصير أو عميق وخفيف وطويل، أو حتى طويل وعميق. جدل رواده لورنس سمرز ومحمد العريان وآخرون.
أيضا مهم نقديا مركز الفيدرالي النقدي الذي ارتفع من أربعة إلى تسعة تريليونات دولار في نحو عشرة أعوام. آلية لا بد أن توظف لتسهيل نقدي أو تشديد حسب قراءتهم للاقتصاد. كذلك هناك تراجع في العولمة اقتصاديا. في الأغلب قد يستمر الفيدرالي في رفع الفائدة، لكي يحافظ على آلية في حال ركود مقلق.
في المدى المتوسط إذا لم تكن هناك مفاجآت ـ في الأغلب هناك مفاجآت، كما حدث مع سوق السندات البريطانية ـ سيستهدف الفيدرالي نسبة فائدة توصف بالمتعادلة "نحو 2.5 ـ 3". لذلك انتقلنا من فوائد منخفضة في الفترة 2009 ـ 2021 إلى وسط أعلى وأكثر اعتدالا تاريخيا، لكن من المبكر الحكم قطعيا على المدى المتوسط، لذلك ربما الأفضل في البيئة المقبلة التركيز على أداء الشركات أكثر من العوامل الكلية.
أرباح الشركات في الأغلب تحت ضغط والبعض قد لا يستطيع تمرير تأثير التضخم، خاصة في ظل شبح الركود ومؤشرات الضغط على السيولة لبعض القطاعات، مثل ما حدث للعملات الرقمية وبعض الصناديق العقارية، حتى بعض الدول التي تعاني صعوبات خدمة الدين والتضخم في آن واحد. لكن في المجمل هذه بيئة تسمح باقتناص الفرص والفجوات بين السعر والقيمة.
ملاحظة أخيرة، في نظري في هاجس يراود الفيدرالي حول تشديد السياسة النقدية من خلال تقليص مخزونه من السندات، لأن السيولة قد تكون عامل مخاطرة ضاغط.
السوق السعودية تتأثر بالمحيط العالمي، خاصة أن السياسة النقدية مرتبطة بالدولار والتأثير المعنوي والمادي للحراك العالمي، لكن أيضا هناك عوامل خاصة مثل التوسع أو الانكماش النقدي والمالي وارتفاع العرض في سوق الأسهم.
بيئة قد لا تقود إلى عوائد عالية في أسواق رأس المال، لكنها قد تكون أفضل من 2022 الذي سجل خسائر تصل إلى نحو 20 في المائة للمؤشر الأمريكي، كذلك نادرا ما تسجل السوق انخفاضا في عامين متتاليين، بينما سجلت السوق السعودية انخفاضا بـ 7 في المائة، أفضل بكثير، على الرغم من التصحيح مع نهاية العام لأسباب تخص السوق، إضافة إلى تشاركها مع الأسواق العالمية في بعض العوامل المهمة التي أهمها ارتفاع الفائدة.