2009 عام الحذر من «وعثاء» السفر.. ولقاحات احترازية للتصدي لعدوى السياحة
في السابق كان السفر لمسافات بعيدة حِكراً على ذلك الشاب القوي الممتلئ، لكن بعد ظهور وسائل المواصلات الحديثة، أصبح الكل بمقدوره أن يسافر، سواء كان شيخاً أو شاباً أو امرأة (قدّر عدد السياح المسافرين دوليا عام 2006، بنحو 840 مليونا، نصفهم للترفيه).. لكن رغم سهولة الانتقال إلا أن السفر لم ولن يخلو من الوعثاء التي استعاذ منها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ومع تطور الأمراض وتنامي مصادر العدوى بين البشر ظهر في بداية الثمانينيات من القرن الماضي فرع من فروع الطب، وهو طب السفر، من هنا أعدت "الاقتصادية" هذا الحوار مع الدكتور عبد القادر بن معيض الرزقي -زميل الكلية الملكية الكندية لطب الأطفال والأمراض المعدية، وعضو الجمعية الأمريكية لطب المناطق الحارة وطب السفر- استشاري الأمراض المعدية في مستشفى الحرس الوطني في جدة ومن أبرز المهتمين بطب السفر.
الرزقي أكد أن عام 2009 قد يشهد مزيدا من الاهتمام والحذر من قبل المختصين والمسافرين على حد سواء بفعل تنامي المخاوف بشأن الأمراض التي تنتقل مع التنقل ومنها الفيروسات مثل: H1N1 أو حمى الضنك.. وغيرها من الأمراض المنتشرة في دول بعينها كالتيفوئيد والحمى المالطية والملاريا.. وإليكم تفاصيل الحوار:
ما هو طب السفر وأهميته للمسافر؟
هو ذلك الفرع الذي يُعنى بصحة المسافر والتأكد من ملاءمته صحياً للسفر، إضافة إلى إعطاء النصائح الصحية ـ في المقام الأول ـ واللقاحات اللازمة أو الأدوية إن لزم الأمر.
فقلّما نجد مسافراً في الدول الغربية أو أوروبا وأمريكا لا يزور عيادة السفر قبل رحلته الدولية.ففي كندا على سبيل المثال أكثر من 400 عيادة تقدم هذه الخدمة للمسافرين، لكن على الرغم من أنها من أكثر الشعوب سفراً وترحالاً، خاصة في فصل الصيف، فتجد المطارات والصالات الدولية تُستنفر طوال فصل الصيف، إلا أنه لا يوجد أي عيادة سفر تقدم هذه الخدمة على الوجه الأمثل.
ما الفلسفة القائم عليها طب السفر والمتبعة في عيادة السفر؟
تعتمد على عاملين:
1 ـ قياس عامل الخطر الصحي، ويندرج تحت هذا العامل:
أـ الوجهة التي سيتجه إليها المسافر، فمثلا الوجهة لبلد متقدم صحياً وحضارياً تكون أقل خطراً من الوجهة لبلد نام.
ب ـ مدة الإقامة وفي أي الفصول، فكل ما زادت الإقامة، زاد التعرض للأمراض والمخاطر الصحية الموجودة في ذلك البلد.
ج ـ مكان الإقامة: فندق، نوع الفندق.. أو الإقامة مع صديق أو قريب.
د ـ الوضع الصحي للمسافر: هل يحمل أمراضا مزمنة، كالسكري أو أمراضا في الكلى والجهاز التنفسي والجهاز المناعي.
هـ - عمر المسافر، طفل أو رضيع.
وـ المرأة، هل هي حامل، وفي أي أسبوع.
زـ اللقاحات التي أعطيت للمسافر ـ الروتينية منها ـ وجود حساسية من أكل أو شراب.
ح ـ الغرض من السفر.
2 ـ الاستشارة الطبية قبل السفر Counseling.
يفضل أن تكون قبل السفر بشهر إلى شهرين، حتى يتسنى للطبيب إعطاء اللقاحات في حالة عدم أخذها وحتى تكون فعالة ـ تكوين أجسام مضادة قبل الذهاب للبلد المسافر إليه ـ لكن حتى الزيارة في اليوم الذي يسبق السفر لها فائدتها على الأقل لغرض الاستشارة وإعطاء الجرعة الأولى من التطعيمات.
#2#
ما الاستراتيجية التي تبنى عليها الاستشارة قبل السفر؟
وجهة السفر: مثال ذلك السفر إلى إفريقيا، وبالذات جنوب الصحراء.. حيث يكون خطر الملاريا وارداً وبشدة ، فتعطى الأدوية الوقائية قبل السفر وأثناء الإقامة وبعد العودة في حالة بعض الأدوية كل حسب حالته. إضافةً إلى نصائح خاصة للوقاية من لسعات البعوض الناقل للملاريا.
وهناك نصائح عامة منها: التأكد من أخذ جميع اللقاحات الروتينية، مثل التيتانوس (الكزاز)، كل عشر سنوات حتى لا يتعرض للإصابة أو المرض عند التعرض لجرح بسيط ملوث ببكتيريا التيتانوس. إضافةً إلى التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي بنوعيه A وB، التقليل من السلطات قدر الإمكان، وعدم أكل الطعام غير المطهو جيداً، التأكد من أن الجبن مبستر، كذلك الحليب، عدم شراء الأغذية من الباعة الجائلين في الشوارع وعلى الأرصفة ومنها المثلجات (الآيس كريم)، تجنب وضع الثلج في الماء أو المشروبات (قد تكون المشروبات نظيفة، لكن الثلج ملوث).والنصائح السابقة الغرض منها تقليل الإصابة بإسهال السفر وبعض الأمراض المستوطنة كالتيفوئيد والحمى المالطية.
ما المناطق التي تنتشر فيها الملاريا وما النصائح التي توجهها لمن يسافر لتلك المناطق؟
المناطق التي تنتشر فيها الملاريا هي إفريقيا (جنوب الصحراء)، وجنوب آسيا، أمريكا الوسطى والجنوبية ومحلياً منطقة جازان وتهامة عسير، ويعطى المسافر أدوية وقائية على حسب مقاومة طفيل الملاريا للكلوركوين.
وهناك نصائح عامة يجب التنبه لها ومنها الوقاية من لسعات البعوض خصوصاً في فترة الليل من خلال رش البخاخ المناسب على الجسم كل ثلاث أو أربع ساعات مع تجنب رشه على العين والأغشية المخاطية، ووضع الناموسيات في حالة النوم.
ماذا عن حمى الضنك ؟
المناطق التي تنتشر فيها حمى الضنك كثيرة، وهي تختلف من وقت إلى آخر، وحيث إن البعوض الناقل يختلف عن ذلك الذي ينقل الملاريا.
فهو يفضل المياه الآسنة داخل المدن وينشط نهاراً فينصح بالوقاية من لسعاته في فترة ما بعد العصر بلبس الملابس غير الزاهية وذات الأكمام الطويلة واستخدام البخاخ الواقي من لسعات البعوض.
#3#
هل لك أن تحدثنا عن اللقاحات الخاصة بالمسافرين؟
1 ـ الروتينية: وهي التي تعطى ضمن جدول التطعيمات وهي تختلف من بلد إلى آخر، ويعد نظام التطعيمات الروتيني في المملكة من أفضل الأنظمة وأحدثها في العالم، ويعد مفخرة لنا جميعاً بفضل الجهود المبذولة من قبل وزارة الصحة والقائمين عليها.
كما يجب أخذ لقاح الكزاز (التيتانوس ) كل عشر سنوات كما نوهنا سابقاً.
2 ـ الاختيارية: وهي التي ينصح بها حسب حالة الشخص الصحية ووجهته، مثل لقاح التيفوئيد للهند وباكستان، ولقاح التهاب السحايا لإفريقيا جنوب الصحراء.. ولقاح السعار ( داء الكلب) لمن يسافر لغرض الصيد أو التخييم
Camping.
3 ـ المطلوبة من سلطات البلد المسافر إليه: لقاح الحمى الصفراء للمسافرين لإفريقيا (بعض الدول الإفريقية تتطلبها)، ودول إمريكا اللاتينية (البرازيل).. ولقاح البكتيريا السحائية تطلبه السعودية من الحجاج والمعتمرين.
#4#
ما الفئات التي قد يشكل السفر عليها نوعا من الخطر؟.. الحامل، الطفل، بعض الأمراض المزمنة.. هل من نصائح توجهها لكل فئة؟
الحامل: الحمل في حد ذاته ليس مانعاً من السفر، لكن هناك نقطتين يجب التنبيه عليهما:
1 ـ بعض شركات الطيران تمنع السفر لمن دخلت الأسبوع السادس والثلاثين (الشهر التاسع)، خوفاً من الولادة في الطائرة، وفي حالة حمل التوائم بعد الأسبوع الثاني والثلاثين.
2 ـ التطعيمات كالحمى الصفراء (لا تعطى للحامل إلا في استثناءات بسيطة جدا)، ومعظم أدوية الملاريا الوقائية غير مرخصة للحامل.
الطفل
1 ـ يمنع من السفر بالطائرة قبل مضي 48 ساعة على الولادة، ويفضل بعد سبعة أيام.
2- ينصح بإعطاء الطفل لهّاية، أو إرضاعه أثناء إقلاع أو هبوط الطائرة لتجنب ألم الأذن الناتج عن اختلال الضغط.
3 ـ تطعيم الحصبة والحمى الصفراء غير فعال لمن هم أقل من سنة بالتالي لا ينصح بسفرهم إلى المناطق الموبوءة بالمرض إلا في حالات الضرورة القصوى.
الأمراض المزمنة
يجب مراجعة الطبيب المتخصص قبل السفر.
مثال: مريض السكري لضبط جرعة الأنسولين وتوقيته.
ـ الأشخاص الذين لديهم خطر التجلط في الساقين، ينصح بالمشي في الطائرة كل ثلاث إلى أربع ساعات، ولبس الملابس الفضفاضة.
بعض شركات الطيران تعرض أفلاما لعمل تمارين خاصة للمسافرين أثناء الرحلات الطويلة.
هل لك أن تحدثنا عن العلاج الذاتي؟
أود التنويه أن بعض البلدان تتطلب نوعاً من التأمين الصحي لدخول أراضيها، ويجب مناقشة ذلك مع وكيل السفر.
- لكن في حالة عدم وجود تأمين أو صعوبة الوصول للطبيب، وفي حالة إسهال السفر.
- لهؤلاء الذين يسافرون لغرض العمل مثل إلقاء المحاضرات، أو عقد صفقات تجارية أو رحلات شهر العسل، فيعطى لهم نوع من المضاد الحيوي ومثبط للإسهال يستخدم عند بداية الأعراض، إضافة إلى سوائل مكافحة الجفاف.
الصعود للمناطق المرتفعة
يزداد الخطر عند السفر لارتفاع فوق 2500 متر عن سطح البحر، نظراً لانخفاض ضغط الأوكسجين.. فيشعر المسافر بدوخة وغثيان وصعوبة في التنفس، وقد يتطور لاحقاً إلى استسقاء في الدماغ والرئة، لا ينصح به بتاتا لمن لديهم أنيميا منجلية. وفي حالة الشخص السليم يعطى دواء اسمه Acetazolamide، كل 12 ساعة قبل الصعود بيوم وأثناء الصعود وينصح بالصعود التدريجي وإذا أحس بأي من الأعراض السابقة فعليه بالتوقف عن الصعود والنزول مع إعطاء الأُكسجين.
الغوص
ينصح بعدم السفر بالطائرة إلا بعد 12 ساعة من آخر غوص، و24 ساعة في حالة ممارسته عدة مرات.
نسمع أحيانا عن اضطرابات في النوم والتوقيت لدى المسافرين..هل من تعليق؟
Jet Lag هو اضطراب الساعة البيولوجية للجسم مع عبور أكثر من منطقة وقتية وتظهر أعراضها فيمَن يسافر شرقاً أو غرباً (أكثر وضوحاً للمسافر من الغرب للشرق)، أعراضه النعاس والخمول، واضطرابات هضمية.
وفي هذا الصدد أود إضافة بعض النصائح ومنها أخذ غفوة ولو قصيرة في الطائرة، محاولة النوم لأربع ساعات في فترة الليل في البلد المسافر إليه، تزول هذه الأعراض مع الوقت، عدم الإفراط في شرب المنبهات في الطائرة.
الوقاية من الأشعة فوق البنفسجية: لأصحاب البشرة الفاتحة، ينصح بارتداء ملابس طويلة الأكمام، عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة فترة طويلة خاصة في فترة الظهيرة: وضع واقي الشمس Sunscreen SP15+، على المناطق غير المغطاة بالملابس مثل الوجه واليدين، حماية الأطفال من التعرض للشمس.
بعد السفر متى ينصح بزيارة الطبيب؟
على المريض الانتباه للأمور التالية ويفضل زيارة الطبيب عند حدوثها ومنها ارتفاع الحرارة أياً كانت، الإقامة في بلد لأكثر من ثلاثة أشهر حتى من دون أي أعراض، الإسهال، وفي حالة تناول أدوية (مَن لديه أمراض مزمنة)، إضافة إلى ظهور أعراض الأمراض التناسلية.
هل هناك من نصائح متعلقة بحقيبة السفر أو للمسافرين بالسيارة؟
بالتأكيد إذ يجب أن تكون الحقيبة خفيفة وبسيطة وتشتمل على: الأدوية التي يتناولها المريض في حالة المرض المزمن، كالسكري والضغط، شاش طبي، ولاصقات جروح، مطهر جروح، كمية كافية من إبر الأنسولين في حالة كون المريض مصابا بالسكري على الأنسولين، ومهدئات ألم.
أما للسفر بالسيارة فإنه ينصح بصيانة السيارة قبل السفر وبالأخص التأكد من سلامة الإطارات، ربط أحزمة الأمان للكبار والصغار، عدم القيادة ليلاً في الدول والمناطق التي لا تتوافر فيها شبكة طرق جيدة.
تبرز إنفلونزا الخنازير هذا العام ''كبعبع'' سفر لكثير إن صح التعبير.. هل لك أن تحدثنا عنها.. وطرق الوقاية منها ؟
فيروس الخنازير H1N1 عبارة عن فيروس إنفلونزا من نوع A حدث فيه تحور شديد وهو عبارة عن خليط جيني من إنفلونزا الطيور، والإنفلونزا البشرية والإنفلونزا التي تصيب الخنازير، حيث يصعب على الجهاز المناعي البشري التعرف عليه. ونظرا لاختلاف هذا الفيروس عن الإنفلونزا الموسمية فلا يجدي اللقاح المتوافر للفيروس الموسمي ضده، وإلى وقت كتابة هذه السطور لم يُنتج لقاح ضده ونأمل أن يتوافر ذلك قبل حلول الشتاء المقبل, إلى الوقت الراهن الحمد الله الإصابات من خفيفة إلى متوسطة، حيث لم يصدر من منظمة الصحة العالمية توجيهات بقفل الحدود وحظر السفر. أنصح المسافرين للمناطق الموبوءة بعدم ارتياد الأماكن المزدحمة والمغلقة وإذا اضطروا لذلك فعليهم لبس الكمامات، إضافةً إلى غسل اليدين باستمرار.
وعند الإحساس بأي ارتفاع في درجة الحرارة عليهم بمراجعة الطبيب فوراً، وعدم أخذ أي مضاد فيروسي دون إشراف طبي لأن ذلك يؤدي إلى تكوين الفيروس مناعة ضد تلك العقاقير.
هل ترى أي تطور في مستوى اهتمام السعوديين على الصعيد الرسمي والشخصي بطب السفر وما سبل رفع الاهتمام بهذا النوع من الطب، خصوصا أن المواطن السعودي ضمن أكثر مواطني العالم سفرا؟
هناك اهتمام ولكنه يظل دون المأمول بكثير، حيث لا توجد إلا شريحة بسيطة تعي أهمية زيارة الطبيب قبل السفر، ومن أهم السبل التي ترفع الاهتمام به التوعية في جميع وسائل الإعلام، خصوصاً قبل مواسم السفر.. ولعلكم قمتم بهذا الواجب.