التجارة الدولية وعصر جديد
بعد أعوام صرف النظر عن جولة الدوحة التي طال انتظارها لتسهيل التجارة الدولية، خاصة في الخدمات، ظهرت بعدها الصين كلاعب اقتصادي وتجاري يطمح لمنافسة الغرب، ومن ثم تعثرت الاقتصادات الغربية لأسباب كثيرة، خاصة على أثر الأزمة المالية العالمية، حتى وصلنا إلى حالة التوجس والتحركات الغربية ضد الصين تجاريا التي وجدت في أزمة كورونا بابا آخر للخلاف، بينما كانت أسعار الطاقة تأخذ دورا جديدا، وإذا بالحرب الروسية الأوكرانية تدفع بأسعار الطاقة والغذاء إلى مستوى جديد من التضخم، وبالتالي رفع الفوائد، في محاولة للحد من التضخم، ما أثر سلبيا في دول استدانت كثيرا في الوقت الخطأ.
تلاطم أمواج جعل منظمة التجارة الدولية WTO في مأزق، إن لم يكن في مهب الريح.
الأمثلة على السياسات الحمائية كثيرة والأعذار والتبريرات أكثر منها. فبعد أعوام من بناء تنظيمي مضن بدأ في 1948 مع اتفاقية "جات" وأخيرا مع WHO وعضوية 153 دولة أصبح النظام مهددا بالانهيار.
النتائج والتبعات على التجارة والاستثمار ستكون مكلفة وغير متجانسة حسب وضع كل دولة ونقطة البداية وقدرتها على التموضع.
ويقول وليم رانيك، الذي كان وكيل وزير التجارة ومشرفا على التحكم في الصادرات الأمريكية، إن أمريكا كانت دائما تريد الحفاظ على مسافة تقنية بينها وبين الدول الرئيسة الأخرى، لكن اليوم هذا لا يكفي، بل تجب إعاقة لعبة مجموعها صفري تكون الاستفادة المتبادلة من التجارة في خطر.
بل إن مسؤول 48 للأمن القومي الأمريكي جاك سولفان، يقول إنه لم يعد يكفي الحفاظ على التقدم في تقنيات المستقبل، كصناعة الموصلات الإلكترونية والحسابات المتقدمة والذكاء الاصطناعي والتقنية البيولوجية والطاقة النظيفة واستقطاب الكفاءات من دول أخرى، بل إعاقة الصين وروسيا.
ذكر أن الطريق لهذه السياسة يبدأ بالدعم كما جاء في قانون الموصلات الذي وصل إلى 52 مليار دولار، وذلك لنقل وتوطين سلاسل الإمداد لهذه الصناعة المفصلية، وتشديد أنظمة التصدير لمنع الدول المنافسة من الحصول على التقنية.
الواضح أن برامج الصين الطموحة أثارت هواجس غربية عميقة. المتوقع أن كثيرا من الدول سيأخذ إجراءت مشابهة، وبالتالي ترتفع جدران الحماية.
النمو الاقتصادي، ونجاح كثير من الدول، وازدهار مواطنيها، كانت بسبب التجارة والاستثمار، لذلك الحد منهما سيعوق الجميع بدرجات مختلفة. كذلك أقر الاتحاد الأوروبي برنامج دعم لصناعات حيوية مختلفة يصل إلى 850 مليار دولار.
لذلك كثير من الشركات الكبيرة دفع له دعم مالي مباشر للانتقال من الصين إلى دول مختارة.
الحالة اليوم تشكلها ثلاثة عوامل: السياسات الحمائية التي غلب عليها البعد الجيوسياسي، وحالة التضخم ورفع الفوائد، وأخيرا الحرب وتأثيرها في الوضع الجيوسياسي والتضخم، خاصة من باب الطاقة والغذاء.
حالة جديدة تعصف بكثير من سكان العالم إلا أنها قد توجد فرصا لدول أخرى حسب تموضعها الاقتصادي والجيوسياسي.
هناك من يقول إن التراجع عن العولمة أصعب مما يتصور الكثير، ولعل العلاقة بين شركة أبل والصين مثال على عمق التواصل مع سلاسل الإمداد والصعوبة في إيجاد البديل.
الطاقة برزت كأحد ميادين التشكيل الجديد عالميا، ما يسمح بفرصة تاريخية لتعظيم الفائدة من الوضع الجديد. هناك فرص في استقطاب بعض الصناعات مثل البتروكيماويات، لأن التكاليف ارتفعت كثيرا على دول كثيرة، كذلك هناك فرص في التعدين لمن تثبت سرعته في هذه الصناعة طويلة المدى. لكن أيضا هناك فرص أخرى في تعظيم الاستفادة من سلاسل الإمداد الجديدة، خاصة إذا تناسبت الروابط الاقتصادية المطلوبة لبعض الصناعات الجديدة لدينا.
نحن أمام وضع جديد أغلب النجاحات والتحولات تحدث أثناء التغيرات العالمية المؤثرة فيه. فالمملكة في وضع ممتاز لتعظيم الاستفادة نسبيا من الحالة الجديدة عالميا.