جائزة سنديان .. ابتكار الوعي
ظل العالم، بشقيه المتقدم والنامي، طوال عقود مضت يتعامل مع مفهوم "الابتكار" بوصفه مجهودا حصريا على مجالات العلوم التطبيقية والتقنية "الطب والهندسة وعلوم الفيزياء والكيمياء والفضاء والحاسوب".
وتوالت الجوائز تتأسس واحدة تلو أخرى لتكريم أصحاب الابتكارات/ الاختراعات المعملية. ولا شك أن هذه الابتكارات لها أهميتها في تعميق جودة الحياة المنشودة. لكن ما لا يقل أهمية عنها، بل يزيد، هو الابتكار الاجتماعي الذي يسهم في توسيع جودة الحياة وزيادة انتشارها. بحيث يتحقق لدينا ازدهار الابتكار ببعديه: العمودي "التقني"، والأفقي "الاجتماعي". ويخطئ من يظن أن جودة الحياة لأي مجتمع بشري يمكن أن تتحقق بأحد جناحي الابتكار دون الآخر.
ولذا فإن ولادة "جائزة سنديان للابتكار الاجتماعي"، بوصفها أول جائزة عربية في مجالها، مؤذن بوعي جديد بأهمية الشق الآخر من الابتكار الإنساني، ليس على النطاق السعودي فقط، بل العربي والإقليمي الواسع.
ويحسب لهذا الوطن الخير، ولمؤسسي جائزة "سنديان" والقائمين على تسييرها، أنها تنتصب الآن بوصفها واحدة من بين خمس جوائز فقط في مجالها على مستوى العالم بأسره، ما يعني الريادة العربية في الوعي العميق بأهمية الحفر في حقول الدراسات الاجتماعية والإنسانية، بغرض تحفيز الباحثين والمهتمين في هذا المجال على الانتقال من جمود التنظير إلى ديناميكية التطبيقات المجتمعية.
يجدر التنويه إلى أن الابتكار الاجتماعي رغم حداثة تشكله في طوره التنظيمي الحديث، لا يخلو من جدالات متشابكة. إذ ينادي بعض المختصين بأن يكون للابتكار الاجتماعي "حدود قيمية" يسترشد بها من لدن المهتمين بهذا الحقل المعرفي، في حين يرى آخرون أن الابتكار يحتاج إلى فضاء تخيلي لا "حدود" له! وبسبب هذا التفاوت في الرأي يكون الابتكار الاجتماعي في بعض المجتمعات ذراعا لتعزيز "الهوية" المجتمعية، بينما يصبح في مجتمعات أخرى طاغيا على الهوية ومهددا لها. وفي الأغلب يحدث هذا التنازع بسبب الخلل في الموازنة بين قيمتي "الحاجة" و"الرفاهية"، التي هي أحد مرتكزات الجدل في الابتكار الاجتماعي.
ينبغي أن ننظر إلى هذه الجدالات بوصفها مظهرا صحيا يسهم في تحسين صحة المولود الاجتماعي الجديد. وذلك مما سيناقشه "منتدى الابتكار الاجتماعي" الذي ينطلق اليوم في مدينة الرياض، ضمن إشعاعات رؤية 2030 النافذة لجدار المستقبل بعون الله.