عقلانية الاستهلاك
تشير النظريات الاقتصادية الحديثة إلى أن الدورة الاقتصادية في أنشطتها تتكون من أربع مراحل تبدأ بالإنتاج مرورا بالتوزيع والتبادل وانتهاء بالاستهلاك، وحيث إن الاستهلاك يعكس بصورة مباشرة الطلب الفاعل على السلع والخدمات في أي اقتصاد، لذا نجده قد أخذ اهتماما كبيرا في بحث عملية التوازن الاقتصادي سواء للمستهلك الفرد أو المؤسسة أو على مستوى الاقتصاد الوطني، حين النظر إلى طبيعة الاستهلاك في مجتمعاتنا العربية عموما وفي المجتمعات الخليجية خصوصا، نجد أن هناك خللا واضحا، إذ تقوم كثير من الأسر بشراء ما يزيد على حاجتها الفعلية من المأكل أو المشرب أو الملبس، ما يؤثر سلبا في تأمين بعض متطلباتها الأساسية ويظهر هذا جليا بالذات في الأسر محدودة أو متوسطة الدخل وهذا ينعكس بالضرورة على الاستقرار الأسري ونمط المعيشة المثالي، إذ إن الإنفاق على أشياء كمالية غير أساسية ويمكن الاستغناء عنها، سيقود إلى صعوبات في توفير الاحتياجات الضرورية.
إن الإنفاق العقلاني والاستهلاك المنضبط يلعبان دورا محوريا في النمو الاقتصادي للمجتمع باعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمع الكبير.. إن معظم الخلل يكون في الأغلب فيما يعرف بالاستهلاك التفاخري والنظر إلى ما يمتلكه الآخرون أو يلبسونه ومحاولة تقليده ومجاراته.
إن منهج العقلانية والاعتدال هو أمر مطلوب عقلا وشرعا، الحق سبحانه في أكثر من موضع في القرآن الكريم يحث على عدم الإسراف، "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"، والقاعدة الأخرى "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"، وبالطبع فإن الاعتدال في الاستهلاك لا يعني بحال من الأحوال أن يسلك الإنسان سبيل التقتير الممقوت أو أن يحرم نفسه وأهله من التمتع بالطيبات من كل شيء، "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" الآية، وإنما المطلوب هو اعتماد مبدأ التوازن الذي يسميه علماء الاقتصاد بالرشد الاقتصادي. لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جملة مشهورة ذهبت مثلا، "أو كلما اشتهيت اشتريت!". إنه لمن العجب أن ترى كثيرا من البيوت وقد امتلأت بالثياب والملابس، وكأنها جمعت لتزين الخزائن لا لتزين الأجساد! ابن خلدون في مقدمته الشهيرة يقول "الهالكون في المجاعات إنما قتلهم الشبع المعتاد السابق لا الجوع الحادث اللاحق!" فهل من متعظ؟