الهند عند مفترق طرق «2 من 2»

تتمثل مشكلة أخرى في تطور برنامج "اصنع في الهند" في اتجاه دعم الإنتاج في الصناعات كثيفة العمالة، مثل السيارات، والجرارات، والقاطرات، والقطارات، وما إلى ذلك. ففي حين تعد كثافة العمالة في الإنتاج عاملا مهما في أي بلد يتمتع بوفرة من العمالة، ينبغي للهند أن تركز على الصناعات التي تتمتع فيها بميزة نسبية، مثل التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، وخدمات الأعمال، والتكنولوجيا المالية. إنها تحتاج إلى عدد أقل من الدراجات البخارية الصغيرة، وإلى مزيد من الشركات البادئة في مجال إنترنت الأشياء. ومثلها كمثل عديد من الاقتصادات الآسيوية الناجحة، ينبغي لصناع السياسات في الهند أن يعملوا على رعاية هذه القطاعات الديناميكية من خلال إنشاء مناطق اقتصادية خاصة. في غياب مثل هذه التغييرات، سيستمر برنامج "اصنع في الهند" في تحقيق نتائج دون المستوى الأمثل.
أخيرا، تعد الملحمة الأخيرة المحيطة بمجموعة أداني عـرضا من أعراض اتجاه سيضر في النهاية بنمو الهند. من المحتمل أن يكون نمو مجموعة أداني السريع أصبح في حكم الممكن بفضل نظام، حيث تميل الحكومة إلى تفضيل بعض التكتلات الضخمة التي تستفيد من هذا التقارب في حين تدعم أهداف السياسة. مرة أخرى، كانت السياسات التي انتهجها مودي سببا في جعله على نحو مستحق أحد أكثر القادة السياسيين شعبية في الداخل وفي العالم اليوم. هو ومستشاروه ليسوا فاسدين، وسيفوز حزبهم بهاراتيا جاناتا عن جدارة بإعادة الانتخاب في 2024 بصرف النظر عن هذه الفضيحة. لكن تداعيات قصة أداني مثيرة للقلق.
يتصور بعض المراقبين أن مجموعة أداني قد تساعد جزئيا على دعم آلة الدولة السياسية وتمويل المشاريع الحكومية والمحلية التي كانت لتفتقر إلى التمويل لولا ذلك، نظرا إلى القيود المالية والتكنوقراطية المحلية. وعلى هذا فإن النظام ربما يكون أشبه بسياسات الإنفاق الداعمة للمحسوبية في الولايات المتحدة، حيث تحصل مشاريع محلية بعينها على وضع خاص في ظل عملية شراء أصوات قانونية "وإن لم تكن شفافة تماما" في الكونجرس.
على افتراض أن هذا التفسير صحيح ولو حتى جزئيا، فقد ترد السلطات الهندية بأن هذا النظام "ضروري" لتسريع عمليات الإنفاق على البنية الأساسية والتنمية الاقتصادية. لكن حتى مع ذلك، ستظل هذه الممارسة سامة، وستمثل نكهة مختلفة تماما من السياسة الواقعية مقارنة بمشتريات الهند الضخمة من النفط الروسي منذ بداية حرب أوكرانيا، على سبيل المثال.
في حين لا تزال هذه الشحنات تمثل أقل من ثلث إجمالي مشتريات الهند الإجمالية من الطاقة، فإنها تأتي بخصم كبير. ففي ظل نصيب فرد في الدخل يبلغ نحو 2500 دولار، من المفهوم أن تسعى الهند إلى الاستفادة من الطاقة الأقل تكلفة. ومن الواضح أن الشكاية من جانب الدول الغربية الأكثر ثراء بنحو 20 مرة ليست في محلها.
رغم أن الفضيحة المحيطة بإمبراطورية أداني لا يبدو أنها تمتد إلى ما هو أبعد من التكتل ذاته، فإن القصة لا تخلو من عواقب كلية تهدد قوة الهند المؤسسية وتصورات المستثمرين العالميين للهند. أثبتت الأزمة المالية الآسيوية في تسعينيات القرن الـ20 أن الاستيلاء الجزئي على السياسة الاقتصادية من قبل التكتلات الرأسمالية التي تتغذى على المحسوبية من شأنه أن يتسبب بمرور الوقت في إلحاق الضرر بنمو الإنتاجية من خلال إعاقة المنافسة، ومنع "التدمير الخلاق" الذي حدثنا عنه شومبيتر، وزيادة التفاوت بين الناس.
من مصلحة مودي في الأمد البعيد إذن أن يضمن امتناع الهند عن سلوك هذا الطرق. إن نجاح الهند في الأمد البعيد يتوقف في نهاية المطاف على ما إذا كانت قادرة على تعزيز نموذج نمو تنافسي ديناميكي ومستدام، وشامل، وعادل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي