تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون تدعو إلى العملات الرقمية
يا لها من ذكريات، التي يمكن أن تعيدها عمليات السحب الكبرى في بنك ما. كنت في بروكسل في وقت سابق من هذا الأسبوع، واستمتعت باستعادة ذكرياتي مع معاصري الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون في منطقة اليورو على الصفحات الأولى من "فاينانشيال تايمز" الممتلئة بالرسوم البيانية ذات التوجه الهبوطي وصور المتداولين القلقين. للحظة، بدا الأمر كأننا في 2008 "أو 2009، أو 2010" من جديد.
لنأمل ألا تقترب تداعيات انهيار بنك وادي السيليكون من ذلك، رغم ظهور اضطرابات في بنك كريدي سويس، إلا أن التوتر تخطى المحيط الأطلسي بالفعل. هناك اختلاف واحد على الأقل عما كانت عليه الحال قبل 15 عاما وهو أننا اكتسبنا قدرا كبيرا من الفهم لكيفية حدوث تلك الأزمات. مع ذلك، تخبرني قصة بنك وادي السيليكون بأننا لم نتعلم الدروس من المرة السابقة بشكل كامل. في الواقع، ما زلنا غير متفقين على ماهية تلك الدروس.
بالنسبة إلى البعض -بمن فيهم، على ما يبدو، الحكومة الأمريكية- كان الدرس هو أنه لا ينبغي لأحد أن يخسر أي أموال يودعها في أي بنك، حتى لو كان "الشخص" شركة متطورة متوسطة الحجم وكان المبلغ أعلى بكثير من حد تأمين الودائع. بالنسبة إلي، كان الدرس أنه يجب أن يكون لدينا نظام مالي لا يمكن البنوك الخاصة أبدا من ابتزاز الحكومات لإنقاذها، لئلا يتسبب المودعون المذعورون في انهيار الاقتصاد برمته.
كما قال ماثيو كلاين بشكل لا ينسى، فإن البنوك هي "صناديق استثمارية مضاربة مركبة على البنية التحتية الحيوية. تم تصميم هذا الهيكل لاستخراج الإعانات من بقية المجتمع عبر تهديد المدنيين بالأزمات، إذا سمح لمراهنات البنوك بالفشل. إن إنقاذ بنك وادي السيليكون تذكير بأن هذه التهديدات تنجح عادة". لطالما كان التحدي الذي تواجهه السياسة المالية هو إنهاء هذا الوضع.
إنني أتفق مع شيلا بير المسؤولة التنظيمية الأمريكية السابقة، التي انتقدت خلفاءها لأنهم حكموا بأن وضع بنك وادي السيليكون يمثل خطرا على النظام المالي الأمريكي كاملا: "هل هذا النظام هش حقا لدرجة أنه لا يمكنه استيعاب بعض التخفيضات الصغيرة في القيمة على الودائع غير المؤمنة لهذه البنوك؟".
لكن حتى إذا كنت توافق على ضمان بأثر رجعي للمودعين غير المؤمن عليهم في بنك وادي السيليكون، يجب أن تعترف بأن ذلك يعكس فشلا للسياسة. إذا كان ينبغي أن تحصل جميع الودائع المصرفية دائما على دعم الحكومة بالكامل، فلماذا لا نلغي تماما وحالا حد تأمين الودائع البالغ 250 ألف دولار، الذي يفترض الآن أنه نظري فقط؟ "يبلغ الحد مائة ألف يورو في أوروبا، ما يعني أن التساؤل أكثر إلحاحا".
بالمناسبة، لاحظ أنه لم يشكك أحد في حكمة ذلك الجزء من نظام الحلول المعمول به في البنوك الأمريكية، الذي عمل على النحو المفترض أن يعمل عليه: سيتم خفض قيمة حاملي السندات غير المضمونين في البنوك المنهارة، وأن تعطى الأولوية للمودعين، حتى غير المؤمنين منهم. بالعودة إلى أيام أزمة منطقة اليورو، كان ينظر إلى "تفضيل المودعين" على أنه أمر بغيض، ونتيجة لذلك، لا يزال كثير من دافعي الضرائب الأيرلنديين يتحملون عبء إجبار منطقة اليورو لدبلن على ضمان أموال مستثمري سندات البنوك الأيرلندية.
إن السؤال الحقيقي الذي يطرحه بنك وادي السيليكون هو ذلك الذي لم يحظ باهتمام كبير في النقاش منذ اندلاع الأزمة، هل نحتاج إلى أن يقدم نظامنا المالي أداة حيث يمكن لأي شخص تخزين أي مبلغ من المال بأمان مطلق "بالقيمة الاسمية"؟ هذا هو ما يضمن الودائع بشكل كامل.
هناك أسباب تجعل هذه الضمانات محدودة، رغم زيادة الحدود في الأزمات. إذ إنها تمنح البنوك حافزا لأن تكون حكيمة إذا علمت أنها لن يتم إنقاذها، كما أنها توفر حوافز لعملاء البنوك. كما تشير السيدة بير "المودعون غير المؤمنين في بنك وادي السيليكون ليسوا مجموعة من المحتاجين". من الواضح لماذا يحتاج الأفراد والأسر إلى مكان آمن لتسلم رواتبهم، وإدارة إنفاقهم والاحتفاظ بمبلغ من المدخرات السائلة. لكن تتم تلبية احتياجاتهم عبر برامج التأمين القائمة. السؤال هو إذا ما كان من الضروري تزويد الشركات متوسطة الحجم التي تحتاج إلى الاحتفاظ بملايين في احتياطات نقدية بدرجة الأمان نفسها.
حتى بالنسبة إلى أولئك منا الذين يشككون في إنقاذ بنك وادي السيليكون، فليس من الواضح كيف ينبغي لمثل هذه الشركات أن تدير احتياجات السيولة الخاصة بها. يتطلب النموذج الحالي من الشركات إما إلقاء نظرة فاحصة على الميزانية العمومية لبنكها -التعامل مع الوديعة بشكل أساسي على أنها قرض غير مضمون كما هي بالفعل- أو توزيع احتياطياتها النقدية عبر عشرات البنوك للبقاء دون الحد الأقصى في كل مكان. لا يعد أي من المطلبين عمليا بشكل خاص. قد يكون تعرض كثير من الشركات للودائع المصرفية غير مباشر: يشير حساب صحيفة "واشنطن بوست" التفصيلي إلى حالة معالج كشوف المرتبات الذي استخدم بنك وادي السيليكون لمساعدة الشركات العميلة له على الدفع لنحو مليون موظف.
بمجرد أن نبدأ التفكير في هذا، يصبح من الصعب أن نرى كيف يمكن لنظام مصرفي مصمم وفقا للخطوط الحالية أن يعالج هذه المشكلة على الإطلاق. ولهذا السبب أعتقد أن الانتقادات الرئيسة التي أثارها بنك وادي السيليكون -لفشل الإدارة والفشل التنظيمي- هي انتقادات وجيهة، لكنها إلى حد ما خارج الموضوع.
كان لدى بنك وادي السيليكون كثير من السندات في ميزانيته العمومية من النوع الآمن للغاية "ديون الحكومة الأمريكية ووكالاتها"، لكن ليس إذا كان عليك البيع قبل الاستحقاق، وفي هذه الحالة يعتمد السعر الذي تحصل عليه على أسعار الفائدة الحالية. نظرا لأن الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بشكل كبير في العام الماضي، فإن بيع سنداته كان سيقضي على احتياطي بنك وادي السيليكون من الأسهم. إن عدم التحوط ضد هذا الخطر كان فشلا من جانب الإدارة. أما الفشل التنظيمي فكان يكمن في ترك هذا الأمر يحدث بطريقة سرية، لكن قبل بضعة أعوام، استثنيت البنوك الكبرى من اختبارات الإجهاد التي تتطلبها قواعد دود-فرانك التي تمت إجازتها بشق الأنفس التي فرضت بعد الأزمة المالية العالمية.
كلا الاتهامين له وجاهة، لكنهما يفوتان النقطة الأكبر. في النهاية، سندات الخزانة وسندات الوكالات الأمريكية هي الأصول الأكثر سيولة التي يمكنك الاستثمار فيها، كما أنها مضمونة تماما بقدر أي شيء يمكن أن يدفع قيمته الموعودة بالكامل. إذا كان حتى هذا يمثل مشكلة من وجهة نظر قدرة البنوك على توفير منازل آمنة للمودعين الكبار، فماذا عن وظيفتها المفترضة في توجيه المدخرات إلى أشياء مثل الرهون العقارية وقروض الشركات، التي تعد أكثر خطورة وتصفيتها أصعب بكثير؟ يقول منتقدو بنك وادي السيليكون "إنه كان ينبغي له شراء أدوات التحوط التي تلغي خطر أسعار الفائدة في حال الاضطرار إلى بيع أصوله قبل استحقاقها". لكن هذا يعني بشكل أساسي أن البنوك ينبغي أن تمتنع عن وظيفتها التقليدية الأخرى في ربط الالتزامات قصيرة الأجل بالأصول طويلة الأجل، تجميع الودائع القابلة للاسترداد على الفور مقابل الاستثمارات المحجوزة لأمد طويل.
في النهاية، إذن، ينبغي أن تدفعنا أزمة بنك وادي السيليكون إلى التساؤل: ما الهدف من البنوك؟ إذا كان توفير التخزين الآمن للأموال للمودعين التجاريين يتطلب منهم الاحتفاظ بأصول خالية من المخاطر بدون مدة فعالة، فقد يحتفظون ببساطة باحتياطيات البنك المركزي. أو -ما يؤدي إلى الشيء نفسه- أن نعد بالوصول إلى النقد من الاحتياطي الفيدرالي مقابل القيمة الكاملة للسندات الحكومية، وهو ما يقدمه أحدث برنامج طوارئ للبنك المركزي. لكن هذه طرق ملتوية للغاية لتأمين الاستقرار الاقتصادي، الذي يبدو الآن أننا نقول إنه يتطلب ودائع تجارية آمنة تماما بمبالغ تعسفية. إذا كنا بحاجة إلى أن تكون هذه الودائع مدعومة باحتياطيات البنك المركزي أو شيء يشبهها إلى حد كبير، فما الذي يكسبه تدخل البنوك الخاصة في جني الأرباح من أعمال الوساطة؟