طرق شاقة وعقبات أمام القطاع النووي العالمي .. أوروبا تواجه احتمال تراجع الصناعة

يواجه القطاع النووي العالمي طرقا شاقة، وعقبات كبرى أمام إحراز تقدم في صنع مفاعلات متقدمة وحدوث انبعاثات أقل وتحقيق استقرار جيوسياسي، أهمها حركة المناخ الحديثة.
وأسفرت أزمة الطاقة التي فجرتها الحرب في أوكرانيا عن تأثير مدمر من الناحية الاقتصادية في العالم أجمع، حيث تواجه أوروبا احتمال تراجع الصناعة، وإعادة تشغيل مصانع الفحم، وعدم استطاعة دول جنوب العالم تحمل أسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسواق، ورغم ذلك من المتوقع أن يستمر تزايد الطلب على الطاقة، حسبما يرى تود رويال الباحث الأمريكي.
وقال رويال، مستشار الطاقة الجيوسياسية ومؤلف الكتاب الذي صدر العام الماضي بعنوان "طرق استغلال الطاقة المتجددة"، "إن الأسعار المرتفعة تتضح في جميع قطاعات الاقتصاد".
وفي ظل هذا الوضع، هناك شيء واحد واضح للغاية: وهو أن الطاقة النووية، قادرة على المساعدة على تلبية الاحتياجات العالمية للنمو الاقتصادي، وفقا لـ"الألمانية" أمس.
ويضيف رويال في التقرير الذي نشرته مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية، أن الطاقة النووية وفيرة وكثيفة وتأتي في مقدمة الوسائل الآمنة والموثوقة لإنتاج الكهرباء والطاقة الحرارية. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هناك نحو 70 مفهوما للمفاعلات المعيارية الصغيرة قيد البحث والتطوير حاليا.
وللأسف، تتم شيطنة الطاقة النووية ويعتقد كثيرون أنها تجب محاربتها مهما كان الثمن، وليس هناك شيء أبعد من ذلك عن الحقيقة، فقد توفي 200 شخص تقريبا نتيجة الإشعاع من حوادث نووية على مدار أكثر من 60 عاما. ويشمل هذا العدد من لقوا حتفهم في حوادث تشرنوبيل وثري مايل إيلاند وفوكوشيما.
وبحساب حالات التشخيص بالسرطان بين الأشخاص الذين تعرضوا للإشعاع من هذه الحوادث، يعد الضرر من محطة للطاقة النووية مقارنة بتأثيرات التلوث الناجم عن استخدام الفحم ومحطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي دليلا قاطعا على أن الطاقة النووية أفضل خيار للحصول على الطاقة والكهرباء عندما يتم وضع كل العوامل في الحسبان.
وإذا تحدثنا عن الفحم، فرغم الوعود العالمية، شهد 2022 نمو أسطول الفحم بمقدار 19.5 جيجاواط، وهذه الكمية كافية لإنارة نحو 15 مليون منزل.
وتمت إضافة محطات جديدة للفحم بشكل رئيس في الصين والهند، ثم إندونيسيا وتركيا وزيمبابوي. ولو كان قد تم استخدام الطاقة النووية بدلا من الفحم، لكانت الانبعاثات العالمية قد تراجعت بدلا من زيادتها في الولايات المتحدة وخارجها.
ومن الخطأ القول إن الطاقات المتجددة خالية من الكربون مقارنة بالطاقة النووية. والأمر المثير للدهشة هو أن 90 في المائة من كل المواد من محطة للطاقة النووية يمكن إعادة تدويرها، مقارنة بمنصات الرياح والطاقة الشمسية التي تولد ملايين الأطنان من النفايات.
وبالطبع تتطلب محطات الطاقة النووية نفسها كميات ضخمة من الصلب وحديد التسليح والخرسانة وشبكة أسلاك ومواد بلاستيكية، ومواد أخرى، لكن أي محطة للطاقة النووية تؤدي على نحو موثوق به، وليس بصورة متقطعة أو متغيرة.
وكمثال، يتطلب تشغيل أي توربين رياح نموذجي 900 طن من الصلب و2500 طن من الخرسانة و45 طنا من البلاستيك غير القابل للتدوير، ويتطلب توليد الطاقة الشمسية أيضا مزيدا من المعادن والأسمنت والصلب والزجاج.
وللطاقة المتجددة استخدامات في تطبيقات غير متصلة بشبكات وفي بعض الشبكات الصغيرة والتطبيقات عن بعد، لكن بناء عدد كاف من توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية لتوفير نصف الكهرباء الضرورية للاستهلاك العالمي على الأقل، سيتطلب ميلياري طن من الفحم لإنتاج الخرسانة والصلب، إضافة إلى ملياري برميل من النفط لتصنيع الشفرات المركبة.
ويتم تصنيع أكثر من 90 في المائة من الألواح الشمسية في العالم في آسيا في شبكات كهربائية تعتمد بشكل مكثف على الفحم لتشغيلها.
ولا تتعرض محطات الطاقة النووية لظروف شديدة أو تحتاج إلى استبدالها في فترة تراوح بين عشرة و20 عاما مثلما تحتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية الصناعية في ظل التكنولوجيا الحالية.
ولا تحتاج أي محطة للطاقة النووية تقريبا إلى مساحة الأرض التي تشغلها مصادر الطاقة المتجددة، وهنا تكمن الميزة الأكبر. وفي الحقيقة، لا تتطلب محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز الطبيعي أيضا مساحات كبيرة من الأرض. لكن قضية استخدام الأرض هي التي تعد حاسمة بالنسبة إلى قدرة الطاقة النووية على حل مشكلات الطاقة العالمية والبيئية. وستلعب الطاقة النووية دورا بارزا في تخفيف تأثيرات مصادر الطاقة المتجددة ذات الاستخدام المرتفع للأراضي على الشبكة، وبالنسبة إلى حصول عدد متزايد من السكان في الهند وإفريقيا وآسيا على كهرباء خالية من الكربون، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.