نمط لا رد فعل فوري .. عدنا لإنقاذ البنوك

نمط لا رد فعل فوري .. عدنا لإنقاذ البنوك

باستحواذ بنك جيه بي مورجان تشيس على بنك فيرست ريببلك، تكون ثلاثة بنوك أمريكية بميزانيات بمئات المليارات من الدولارات قد أفلست هذا العام، وما زال أيار (مايو) في بدايته فقط. كان لدى سيليكون فالي بنك وبنك سيجنيتشر وبنك فيرست ريببلك مجتمعة أصول بقيمة 535 مليار دولار في بداية العام. بعبارة أخرى، وجب على نحو واحد من 40 من النظام المصرفي الأمريكي أن يمر عبر الرعاية الطارئة لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية في غضون شهرين فقط.
حاولت السلطات الأمريكية الآن بما يكفي لحل هذه المشكلة لنبدأ في الحكم على أفعالها كنمط بدلا من رد فعل فوري لأزمة مفاجئة استثنائية. لذلك دعونا نلق نظرة على كيفية أدائها. إن هذا الوصف لأهداف الحكومة الأمريكية مأخوذ من البحث العميق الممتاز الذي أجرته "فاينانشيال تايمز" حول كيفية انقضاض جيمي ديمون من بنك جيه بي مورجان على بنك فيرست ريببلك:
"خلال الاضطرابات المصرفية، حاول كبار مسؤولي بايدن التمسك ببعض الأولويات الرئيسة: تجنب انتقال العدوى إلى الاقتصاد الأمريكي، وتقليل المخاطر التي يتعرض لها دافعو الضرائب، وحماية المودعين وليس المساهمين أو أصحاب الديون. لكنهم أرادوا تجنب أي تصور بأنهم حريصون على الانخراط في سلسلة من عمليات الإنقاذ التي تقدر بمليارات الدولارات للبنوك المتعثرة".
من بين الأهداف الثلاثة الواردة في الجملة الأولى، حمت السلطات المودعين بشكل كامل، ولا سيما المودعين الكبار جدا الذين لم تتم حمايتهم عبر ضمان الإيداع الفعلي البالغ 250 ألف دولار لكل حساب. وخوفي أن هذا جاء على حساب الأهداف الأخرى.
لننظر إلى العدوى. إن إنقاذ جميع المودعين في سيليكون فالي بنك -على أساس الاكتشاف المفاجئ لأهميته النظامية- لم يوقف عملية التهافت لسحب الأرصدة من بنك سيجنيتشر. ولم يحل تعويض جميع المودعين في سيجنيتشر دون سقوط فيرست ريببلك. ولم يؤد استحواذ جيه بي مورجان على فيرست ريببلك إلى تعزيز الثقة بجهات الإقراض الأخرى متوسطة الحجم في الولايات المتحدة، التي انخفضت أسعار أسهم بعضها بنسب مئوية من أرقام زوجية.
لا يزال من السابق لأوانه توقع تأثيرات واضحة في الاقتصاد غير المالي، لكن من الواضح أن الإقراض المصرفي يعاني. ليس فقط في الولايات المتحدة لكن أيضا في أوروبا، حيث يمكن القول إن إفلاس بنك كريدي سويس قد تسارع بسبب الاضطرابات المصرفية في الولايات المتحدة.
إذن، لا نجاح فيما يتعلق بالعدوى. ماذا عن المخاطر على دافعي الضرائب؟ تكمن المشكلة في أن "سلسلة من عمليات الإنقاذ التي تقدر بمليارات الدولارات للبنوك المتعثرة" هي بالضبط ما انخرطت فيه السلطات الأمريكية. قيمة الودائع غير المؤمن عليها التي تم ضمانها بشكل صريح أو، فعليا، بعد الواقعة تصل إلى مئات المليارات.
نفذت ذلك مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، التي يتم تمويلها عبر الضرائب المفروضة على البنوك "وبالطبع، تستخدم أصول البنوك المفلسة لتغطية التزاماتها". لكن ليس لدي الوقت الكافي لأسهب في الحديث عن أن عمليات الإنقاذ التي تقدمها مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية ليست ممولة من دافعي الضرائب. البنوك من دافعي الضرائب أيضا، حيث ينظم القانون الالتزام بالدفع لمؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية مقابل تأمين الودائع، وصندوق تأمين الودائع الخاص بها مدعوم "بالإيمان والائتمان الكاملين" للحكومة الأمريكية. إنها ضريبة بأي اسم آخر. إضافة إلى ذلك، إذا دفعت البنوك المدارة جيدا لإنقاذ البنوك المفلسة، فإن العملاء الذين تمرر إليهم التكاليف هم أيضا دافعو ضرائب.
لذلك عندما تدفع مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية أكثر مما يتطلبه تأمين الودائع المتفق عليه مسبقا، ينبغي أن نعد الأمر بمنزلة إنقاذ دافع ضرائب فعلا. وبينما اختلفت عمليات التعامل مع البنوك الثلاثة المفلسة من بعض النواحي، فإن مضمون تعويض جميع المودعين غير المؤمن عليهم كان هو نفسه في الحالات الثلاث. ينبغي أن يدور النقاش حول ما إذا كانت عمليات الإنقاذ هذه مبررة، وليس ما إذا كانت عمليات إنقاذ. بعبارة أخرى، هل تم إنقاذ المستثمرين في القطاع الخاص بشكل مفرط من تكلفة المخاطر التي تحملوها طواعية؟
لننظر إلى الحالة الأخيرة أولا. وصف أحد زملائي في قسم أنهدجيد الأمر قائلا "يحصل جيمي ديمون على سعر جيد". بالاطلاع على الأرقام الواردة في الصفقة، حيث يدفع جيه بي مورجان نحو عشرة مليارات دولار مقدما و50 مليار دولار أخرى على شكل ائتمان "من مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية" لميزانية عمومية ضخمة مربحة، استنتج قائلا "هذه الصفقة مربحة لجيه بي مورجان، لكن من غير الحكمة أن يقول ذلك عندما يتوقع صندوق تأمين مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية أن يتلقى ضربة بقيمة 13 مليار دولار على الصفقة".
أعتقد أن الأمور أكثر وضوحا. لنتذكر أنه قبل ستة أسابيع فقط من اضطرار فيرست ريببلك للاستسلام، تلقى 30 مليار دولار من الودائع من 11 من أكبر البنوك الأمريكية. وضع كل من أكبر المساهمين -بنك أمريكا وبنك سيتي جروب وبنك جيه بي مورجان وبنك ويلز فارجو- خمسة مليارات دولار، بينما أودع الباقي ما بين مليار دولار و2.5 مليار دولار لكل منها. جاء في بيان فريق الإنقاذ أن هذا الإجراء "يعكس ثقتهم ببنك فيرست ريببلك وبالبنوك من جميع الأحجام".
ربما كانت ثقتهم أكثر بأن السلطات الفيدرالية تدعمهم. وقد ثبتت حكمة ذلك. كفل التعامل مع فيرست ريببلك أن يتم تعويض جميع المودعين غير المؤمن عليهم بالكامل، بما في ذلك البنوك الضخمة التي حولت 30 مليار دولار إلى أحد البنوك في منتصف عملية تدافع كبرى لسحب الأموال من البنك.
اتفق على وجود حجة في الحالتين السابقتين لمساعدة بعض المودعين من الشركات حتى فوق حد تأمين الإيداع البالغ 250 ألف دولار. كانت الحجة المعقولة هي أنه إذا لم تتمكن الشركات متوسطة الحجم من تقديم الأجور لأن ودائعها مجمدة، فسيتسبب ذلك في حالات إفلاس غير ضرورية وسيؤدي انتشار مشكلات الميزانيات العمومية للبنوك المتعثرة إلى إفلاس الشركات في الاقتصاد غير المالي، الذي بدوره، يؤدي إلى مزيد من الذعر بين المودعين في جميع البنوك باستثناء البنوك الكبرى.
الحجة المؤيدة لتأمين مجاني لاحق للشركات الكبيرة التي لديها مدير مالي لم تكن مقنعة أبدا -وأنا، مثلا، كنت متشككا- وتجدر الإشارة إلى أنها لم توقف هروب الودائع. ولو أنها نجحت، لما كنا نناقش بنك فيرست ريببلك اليوم.
حتى لو كان من الصواب تأمين ودائع حتى الشركات متوسطة الحجم للحفاظ على خلو عمليات تقديم الأجور من المخاطر، فإن هذه الحجة بالتأكيد لا يمكن أن تبرر تأمين ودائع البنوك التي يبلغ حجمها مليارات الدولارات بميزانيات عمومية يبلغ حجمها تريليونات. لو استحوذت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية على بنك فيرست ريببلك عبر عمليتها العادية -أو حتى إذا كانت قد أنقذت الودائع التي تصل إلى 2.5 مليون دولار فقط، خيار أوردته في ورقتها الجديدة حول إصلاح نظام تأمين الودائع- لكان لديها "على الأقل" 29973 مليار دولار أكثر. بدلا من خسارة تقدر بنحو 13 مليار دولار، كان من الممكن أن تتوقع الوكالة ربحا قدره 17 مليار دولار.
إن الاضطرار إلى إنقاذ مستثمرين أقوياء للغاية في بنك واحد أو حتى بنكين قد يعد سوء حظ. يبدو تقديم خطة إنقاذ بقيمة 30 مليار دولار للبنوك الضخمة في حالة ثالثة كإهمال متعمد بشكل فظيع.

الأكثر قراءة