حماية الطفل .. مسؤولية الوالدين وتحدي المنصات الاجتماعية
تكافح منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتعامل مع مزيج من قوانين الولايات الأمريكية، التي تتطلب منها التحقق من أعمار المستخدمين ومنح الآباء مزيدا من التحكم في حسابات أطفالهم.
سنت ولايات من بينها يوتا وأركنسو بالفعل قوانين وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالأطفال في الأسابيع الأخيرة، كما تم تقديم مقترحات مشابهة في ولايات أخرى، مثل لويزيانا، وتكساس وأوهايو. تم تصميم الجهود التشريعية لمعالجة المخاوف من أن منصات الإنترنت تضر بالصحة العقلية للأطفال والمراهقين ورفاهيتهم وسط ارتفاع معدلات انتحار المراهقين في الولايات المتحدة.
لكن النقاد –بما في ذلك المنصات نفسها، إضافة إلى بعض الجماعات المناصرة لحقوق الأطفال– يجادلون بأنه تمنت صياغة الإجراءات بشكل سيئ ومجزأ، ما قد يؤدي إلى سلسلة من العواقب غير المقصودة.
وصف أحد كبار الموظفين في شركة تكنولوجيا كبرى يقود سياستها التشريعية للولاية مزيج القوانين بأنه "كابوسي ولا معنى له، إن لم يكن عبثيا".
قال الشخص: "القدرة على الاستعداد لهذا الأمر بثقة مهمة شاقة"، واصفا إياها على أنها "رافعة هندسية". وأضاف الشخص أن فرقهم القانونية عاكفة على كيفية تفسير مختلف القواعد وما يرتبط بها من مخاطر.
هناك مجموعة متزايدة من الأبحاث، التي تربط الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال والمراهقين بسوء الصحة العقلية، ما يدفع للمطالبة بحماية الأطفال بشكل أفضل من المحتوى السام.
قال ممثل ولاية يوتا الجمهوري، جوردان تيوشر، الذي كان راعي مجلس النواب لمشروع قانون الولاية، إنه تم إنشاؤه استجابة لعدد من الدراسات التي تظهر "بعض الآثار المدمرة حقا لوسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين".
قال عن قرار سن هذا التشريع، الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في آذار (مارس) 2024: "نؤمن إيمانا راسخا بأن الآباء هم أفضل من يعرف كيف يعتنون بأطفالهم، كان الآباء يأتون إلينا قائلين: نحن بحاجة إلى المساعدة".
يتطلب قانون ولاية يوتا من منصات وسائل التواصل الاجتماعي التحقق من عمر جميع سكان الولاية، ومن ثم الحصول على موافقة الوالدين قبل السماح لمن هم دون 18 عاما بفتح حساب. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تمنح المنصات الآباء حق الوصول إلى تلك الحسابات، كما يحظر عليها عرض الإعلانات أو محتوى مستهدف لهم.
تتسابق الحكومات والهيئات التنظيمية حول العالم لإدخال تشريعات، حيث يجبر كل من قانون الأمان على الإنترنت في المملكة المتحدة وقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي شركات وسائل التواصل الاجتماعي على حماية الأطفال من المحتوى الضار.
في الولايات المتحدة، تم تقديم اقتراح فيدرالي جديد، قانون سلامة الأطفال على الإنترنت، من قبل عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي مارشا بلاكبيرن، من الحزب الجمهوري، وريتشارد بلومنتال، من الحزب الديمقراطي، من شأنه أن يضع واجب الحرص على المنصات لحماية الأطفال. وفي وقت سابق من هذا العام، قدم السناتور الجمهوري جوش هاولي أيضا مشروع قانون من شأنه أن يفرض حدا أدنى للسن يبلغ 16 عاما لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
تتفق منصات وخبراء وسائل التواصل الاجتماعي على أن القوانين الفيدرالية ستكون أكثر فاعلية من أجل فرض معيار موحد على مستوى الدولة. لكن في غضون ذلك، أجبر تضاؤل ظهور قوانين الولايات المنصات على التدافع للتكيف.
قال زمعان قريشي، الرئيس المشارك لتحالف شبابي يدعو إلى وسائل تواصل اجتماعي أكثر أمانا للشباب، إن الولايات التي تتخذ إجراءات بشأن هذه القضية قد تشعبت إلى "مسارين". وقال إنه في أحد المسارين، ركزت عدة ولايات يقودها الديمقراطيون، مثل كاليفورنيا، على التنظيم الذي يهدف إلى "إجبار شركات التكنولوجيا على إجراء تغييرات في تصميم منتجاتها من أجل توفير حماية أفضل للقصر". وفي المسار الآخر، ركز عدد كبير من الولايات الجمهورية على دور الآباء.
إحدى السمات المشتركة بين جهود سن القوانين في الولايات الجمهورية هو مطلب أن تقوم المنصات بالتحقق من العمر لجميع المستخدمين. ويمهد هذا أيضا الطريق لمطلب ثان في بعض الولايات يقضي بحصول المنصات على موافقة من أحد الوالدين أو الوصي قبل السماح لمن هم دون سن 18 عاما باستخدام تطبيقاتها، وفي بعض الحالات، السماح للآباء بالوصول إلى حسابات أطفالهم.
نظرا لغياب الدقة في صياغة الإجراءات، فقد تركت المنصات في حيرة من أمرها بشأن كيفية الحصول على موافقة الوالدين، وفقا لكثير من الأشخاص المطلعين على الوضع، مع مراعاة ما إذا كان هذا قد يكون تمرينا بسيطا في خانة الاختيار أم أنه سيتطلب من الشركات الحصول على صورة شهادة الميلاد، مثلا.
كما أثار الأكاديميون ومجموعات المناصرة تساؤلات حول حرية التعبير وخصوصية الأطفال التي صممت القوانين لحمايتها.
يفرض تكليف التحقق من العمر بعض التحديات الكبيرة للشركات، حيث سيؤدي التحقق من العمر، والذي يتضمن عادة طلب الهوية أو استخدام تقدير العمر عبر تكنولوجيا مسح الوجه، إلى استبعاد المستخدمين دون السن القانونية من المنصات، ما يلحق بدوره ضررا بإيرادات الإعلانات. إذا كانت الهوية هي الطريقة الرئيسة للتحقق، فإن النقاد يحذرون من أنه ليس لدى جميع القاصرين إمكانية الحصول على بطاقة هوية رسمية، إضافة إلى ذلك، يظل تقدير النطاق العمري علما غير دقيق.
مثلا، أمرت ولاية أركنسو، التي يدخل تشريعها حيز التنفيذ في أيلول (سبتمبر)، المنصات باستخدام أطراف ثالثة للتحقق من الأعمار، ما أثار مخاوف بشأن ما إذا كانت هناك أدوات كافية لإدارة هذا المطلب.
حيث قالت الشركة إن يوتي، شركة بريطانية صغيرة مزودة لتكنولوجيا التحقق من العمر، تستخدم بالفعل من قبل منصة إنستجرام وفيسبوك التابعة لشركة ميتا. كما تفكر منصة تيك توك باستخدام التكنولوجيا، وفقا لشخصين على دراية بالوضع.
بدأت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك ميتا وسناب شات، بالترويج لفكرة أن التحقق من العمر ينبغي أن يتم التعامل معه من قبل متاجر التطبيقات حيث يتم تنزيلها أو على مستوى الجهاز –على جهاز أيفون من شركة أبل، على سبيل المثال.
قالت شركة ميتا إنها طورت بالفعل أكثر من 30 أداة للمراهقين والعائلات، بما في ذلك أدوات الإشراف الأبوي، وقال المتحدث باسم الشركة: "سنواصل تقييم التشريعات المقترحة والعمل مع صانعي السياسات بشأن هذه الأمور المهمة".
قالت شركة سناب، التي طورت أيضا أدوات للرقابة الأبوية، إنها تجري مناقشات مع نظرائها في الصناعة، والهيئات التنظيمية وأطراف ثالثة حول كيفية التعامل مع تحدي التحقق من العمر. وقالت شركة تيك توك إنها تعتقد أن "التعاون على مستوى الصناعة" ضروري لمعالجة هذه المسألة.
مع ذلك، تجادل بعض جماعات مناصرة حقوق الأطفال بأن تركيز التشريع في غير محله، حيث قال جوش جولين، المدير التنفيذي لمنظمة فير بلاي غير الربحية: "الهدف هو إلقاء المسؤولية على الآباء وإعطاء مزيد من الآباء مزيدا من الحقوق (...) إنه ينص على أن المنصات ليست بحاجة إلى التغيير. حقا، ما نعتقد أنه ينبغي أن نركز عليه هو جعل المنصات أكثر أمانا وأقل استغلالا للأطفال".