القواعد المالية المضللة قيدت الاستثمار وأعاقت النمو
ناقشت في الشهر الماضي موضوع الملاحظات والتعليقات السلبية حول توقف النمو الاقتصادي وتوسيع شبكات الأمان. كيف يمكن للبلدان التحرر من "هذه المشكلة المشؤومة"؟ يتمثل أحد العناصر المهمة في إعادة التفكير في القواعد المالية التي تشكل قرارات الاستثمار الحكومية.
فكرة القواعد المالية، التي تضع قيودا على اقتراض الحكومات، فكرة سليمة. ينبغي للحكومات أن تلتزم بمبدأ "السلف الصالح"، الذي يترك الأجيال القادمة إرثا من الأصول والدخل، ولا يثقل كاهلها بالديون والضرائب. بهذه الطريقة يمكن أن تساعد القواعد المالية على ضمان المساواة بين الأجيال –إنها المعادل لسعيك إلى توريث أبنائك المنزل وليس الرهن العقاري.
بعد سلسلة من عمليات التبذير في الإنفاق الحكومي، المرتبطة بالجائحة، أصبحت القواعد المالية الآن معرضة لخطر خرقها. ستقف الولايات المتحدة على حافة الهاوية الشهر المقبل بسبب حدود الدين التي يفرضها الكونجرس. وفي الاتحاد الأوروبي ثبت أن معايرة حدود ميثاق الاستقرار والنمو على ديون البلدان أمر خطير. وفي المملكة المتحدة تعمل القواعد المالية التي تتطلب انخفاض نسبة الديون في غضون خمسة أعوام على تقييد قدرة الحكومة على وضع سياسات طويلة الأجل لتعزيز النمو.
هل تفرض هذه القواعد انضباطا ماليا مفيدا أو تقيد الاستثمار والنمو؟ أعتقد أن الأخير هو ما يحدث. عادة ما تستند إلى رصيد الدين الحكومي نسبة للدخل. نتوقع أن تختلف هذه النسبة مع مرور الوقت. كلما زادت التحديات التي تواجه الدولة في بلد ما، زادت قوة الحجة لزيادة الاستثمار الممول بالديون في البضائع العامة اللازمة لمواجهة هذه التحديات.
لنأخذ المملكة المتحدة، مثلا. منذ الثورة الصناعية تضاعفت نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة في المتوسط كل قرن. كان هذا اختيارا مجتمعيا صريحا للاستثمار في المجموعات الجديدة من البضائع العامة اللازمة لدعم التقدم الاقتصادي والاجتماعي –من المدارس إلى الإسكان إلى الصحة. كما مالت نسب ديون البلدان الأخرى إلى الاتجاه للأعلى مع مرور الوقت.
لا ينبغي بالضرورة أن نتوقع أن يتكرر هذا النمط في القرن الـ21، لكن لا ينبغي أيضا أن نتوقع أن تكون نسب الدين ثابتة أو تنخفض. يواجه كثير من الاقتصادات المتقدمة تحديات لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها أسلافنا. وتلبية الحاجة إلى مجموعة جديدة من البضائع العامة ملحة بالقدر نفسه.
هذا يسلط الضوء على العيب الثاني في القواعد المالية الحالية: تستند عادة إلى صافي الدين المالي. وهي لا تعترف بالأصول غير المالية الناتجة عن الاستثمار العام، سواء كانت ملموسة (الطرق، المستشفيات، والمدارس) أو غير ملموسة (الملكية الفكرية، البيانات، والرموز)، كما أنها لا تعترف بالاستثمار في الأصول الطبيعية، مثل المياه النقية والهواء والمحيط الحيوي المزدهر.
سيعطينا الاعتراف بهذه الأصول مقياسا للقيمة الصافية الحقيقية للحكومة. تماما مثلما تأخذ الشركة أو الأسرة صافي ثروتها في الحسبان عند اتخاذ خيارات استثمارية، ينبغي أن تفعل الحكومة ذلك أيضا. لقد تبين أن البلدان ذات الأصول الصافية المرتفعة لديها تكاليف اقتراض أقل. حراس سوق السندات يستهدفون الأسلاف الفقراء، وليس المقترضين. هذا يعود إلى أن تكاليف الاقتراض الحكومي الحقيقية انخفضت على مر القرون، على الرغم من أن نسب الدين الحكومي تتجه إلى أعلى. تعرف الأسواق المالية أن قيمة المنزل، وليس الرهن العقاري، هي ما يهم.
كما تميل البلدان ذات الثروة الصافية الأعلى إلى إظهار مرونة أكبر على صعيد الاقتصاد الكلي. وهذا بدوره يخفف العبء على الدولة عند حدوث صدمات معاكسة. لقد أسهمت قواعدنا المالية الحالية القائمة على الديون، عبر تقييد الاستثمار العام، في الحد من مرونة الاقتصاد الكلي وانتفاخ شبكة الأمان بعد الصدمات.
كانت تلك قصة العقود القليلة الماضية عندما كان الاستثمار العام من قبل دول مجموعة السبع ثابتا أو متراجعا، على الرغم من أن أسعار الفائدة الحقيقية العالمية كانت قريبة من الصفر. كانت هناك فرصة للاستثمار في التجديد الاقتصادي والبيئي وتعزيز النمو وقدرة الاقتصاد الكلي على الصمود. لكن القواعد المالية المضللة تعني إهدارها وإدامة المشكلة المشؤومة.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت العوائد الحقيقية العالمية حول العالم. لكن مع بقاء أسعار الفائدة الحقيقية عند أقل من 1 في المائة على مستوى العالم، سيفضل حساب التكلفة/ المنفعة بشكل كبير الاستثمار العام اليوم لدعم النمو والقدرة على الصمود غدا. المناوشات الأخيرة بشأن قيود الديون في الاقتصادات المتقدمة تعني أن هذه الفرصة معرضة مرة أخرى لخطر التبديد.
يؤدي الالتزام بالقواعد المالية الحالية إلى المخاطرة بتقليل الاستثمار اليوم في الصحة الاقتصادية والبيئية المستقبلية. وكما يتضح من العقود القليلة الماضية، فإن القواعد المالية القائمة على الديون تؤثر في النمو، وتضعف مرونة الاقتصاد الكلي وتضخم الحلقة المشؤومة. ستعتبرنا الأجيال القادمة بحق أسلافا سيئين إذا تمسكنا بها.
* كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا سابقا والرئيس التنفيذي للجمعية الملكية للفنون حاليا