الاقتصاد الأزرق .. مستقبل الشركات الناشئة المستدام

الاقتصاد الأزرق .. مستقبل الشركات الناشئة المستدام
من المرجح أن تصل قيمة سوق الأعشاب البحرية العالمية إلى نحو 25 مليار دولار بحلول 2028 ارتفاعا من 14 مليار دولار في 2020. "آي ستوك"

عندما رد جايتان زاكريسون على مكالمة من صديق له، يطلب المساعدة في مشروع عن الأعشاب البحرية برعاية الجامعة في 2016، لم يكن لديه أدنى فكرة عن حجم التأثير الذي سيحدثه ذلك في حياته.
في ذلك الحين، لم تكن معرفة زاكريسون بالأعشاب البحرية أبعد من قوائم الطعام في المطاعم الآسيوية في وطنه السويد. لكن ذلك تغير عندما بدأ العمل فيها، ولم يندم على قراره.
حيث يقول "لقد أدركت أن هناك قطاعا ينمو بسرعة في صناعة الزراعة المائية".
وبعد سبعة أعوام، أصبح زاكريسون مدير العمليات لشركة نورديك سيفارم، وهي شركة متفرعة عن جامعة جوتنبرج، تقوم بزراعة الأعشاب البحرية للمطاعم وشركات الأغذية.
تعد الأعشاب البحرية أو الطحالب الكبيرة -وهي من المواد الغذائية الأساسية في اليابان وكوريا والصين منذ عام 800 قبل الميلاد على الأقل- غنية بالبروتينات، كما أنها تمتص الكربون الموجود في الجو، ويمكن زراعتها في مياه المحيط دون الحاجة إلى الأسمدة أو المبيدات. ويمكن لبعض الأصناف منها، عند إضافتها إلى علف الماشية، أن تقلل بشكل كبير من كمية غاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة القوية، الذي ينبعث من الأبقار.
هذا المزيج من الخصائص الصديقة للبيئة أدى إلى جذب انتباه رواد الأعمال والمستثمرين. وفقا لشركة فورتشون بيزنيس إنسايتس للأبحاث، من المرجح أن تصل قيمة سوق الأعشاب البحرية العالمية إلى ما يقارب 25 مليار دولار بحلول 2028، ارتفاعا من 14 مليار دولار في 2020، حيث تتطلع الشركات إلى البحر بحثا عن مصادر غذاء أقل كثافة في الكربون، الذي يسمى "الاقتصاد الأزرق".
بينما تمثل آسيا نحو 97 في المائة من الإنتاج العالمي للأعشاب البحرية، يتزايد الاهتمام به في الولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا. حيث أفادت شركة فايكونومي التي تقدم معلومات عن الأعشاب البحرية، بوجود 41 استثمارا لشركات ناشئة في تلك البلدان العام الماضي، بارتفاع عن 2021 إذ بلغت قيمتها 120 مليون دولار.
تعمل شركة نورديك سيفارم في المياه الغنية بالأكسجين والمغذيات قبالة سواحل السويد، حيث قامت بترخيص ستة هكتارات من المحيط من الحكومة لزراعة الطحالب البنية على حبال يتم ربطها بالمراسي.
يتم الحصول على البذور من النباتات الناضجة التي تنمو بالقرب من منصة راسية بشكل دائم وتزرع على الحبال في فصل الخريف، حيث تنمو خلال أشهر مع قلة حاجتها إلى الرعاية أو انعدامها. وبحلول الربيع، سيبلغ طول الأعشاب البحرية -التي يمكن أن تؤكل نيئة- نحو مترين وتصبح جاهزة للحصاد قبل ارتفاع درجة حرارة المياه ونمو أنواع أخرى من الأعشاب البحرية على شفرات الطحالب، ما يفسد نقاوة المنتج.
تنتج العملية نحو 80 طنا من الأعشاب البحرية سنويا بوزن رطب. ويتم غسلها وتبييضها للتخلص من اليود الزائد ثم تجفف في الهواء الطلق أو في الخيام. بعد ذلك، يتم بيعها كأوراق كاملة أو تتم معالجتها أكثر وبيعها لشركات الأغذية على شكل رقائق أو مسحوق.
تقوم شركة نورديك سيفارم أيضا بزراعة هكتارين من نبات أولفا، المعروف باسم الخس البحري، بدعم من صندوق بلو إنفيست التابع للاتحاد الأوروبي، الذي يمول التكنولوجيات البحرية المستدامة.
يقول زاكريسون "إن الشركة تركز على العلاقات بين الشركات، لكنها تفكر في إطلاق علامة تجارية للمستهلك، وذلك عندما تصبح السوق مهيأة لها".
كما يقول زاكريسون "تتمثل الخطوة الأولى الآن في إدخال المنتج إلى المطاعم والمطابخ، وإيصاله إلى أيدي الطهاة. إذا كان بإمكانك إزالة جزء من الطعام الذي يتم إنتاجه في اليابسة وأخذه إلى البحر، فهذا أمر إيجابي لأنك تستخدم بذلك مساحة أقل من الأرض وتنتج مزيدا من الطعام".
في دراسة نشرت في كانون الثاني (يناير) في مجلة "نيتشور ساستينابيليتي"، جادل الباحثون بأن استبدال 10 في المائة من النظام الغذائي البشري الحالي على مستوى العالم بالأعشاب البحرية سيحرر نحو 110 ملايين هكتار من الأرض، أي ما يعادل ضعف مساحة فرنسا. ويقدرون أن نحو 650 مليون هكتار من مياه البحار العالمية يمكن أن تدعم إنشاء مزارع للأعشاب البحرية.
وقد أبدى صناع السياسة في أوروبا حماسهم لهذه الإمكانات. "حان الوقت الآن للاستفادة الكاملة من الإمكانات التي توفرها الطحالب كمورد متجدد في أوروبا"، هذا ما أعلنته المفوضية الأوروبية في تشرين الثاني (نوفمبر)، في ورقة تدعو إلى زيادة الإنتاج من خلال دعم الشركات الناشئة وتبسيط إجراءات التنظيم الخاصة بها.
يقول يوست فاوترز، الرئيس التنفيذي لشركة ذا سيويد كومباني المنتجة "ما نحتاج إليه هو عدد من الرواد الذين سيمهدون الطريق، لكن ذلك سيستغرق عشرة أعوام ولدينا الحماس الكافي للقيام بهذا الدور. بالنسبة إلينا، هذا هو الجزء الممتع من العملية، مواجهة الصعوبات دون الاستسلام لها، لأننا كل يوم وبكل الطرق، نحسن زراعتنا. ذلك ما يمنحنا كثيرا من الطاقة".
تقوم شركة سي ويد كومباني بزراعة نبات الواكامي الأطلسي والطحالب البنية والأولفا "الخس البحري" للاستهلاك البشري في مزرعة تبلغ مساحتها 50 هكتارا في المياه الأيرلندية وفي مزرعة مساحتها ثلاثة هكتارات في المياه الهولندية. أما في المغرب والهند، فيزرعون أنواعا مختلفة من الأعشاب البحرية للعلامة التجارية توب هيلث المخصصة لأغذية الحيوانات.
فيما يجمع أحد منتجاتهم الأساسية المخصصة للبشر واسمها سي ميت، بين الأعشاب البحرية واللحم البقري في فطيرة واحدة. حيث يعتقد فاوترز أن هذا النهج الهجين يمنح المستهلكين منتجا مألوفا لهم جزئيا على الأقل. حيث يشير إلى أن "الناس لا يأكلون ما لا يعرفونه".
وقد أدى ذلك أيضا إلى إقامة شراكات تجارية مع شركات المواد الغذائية الأخرى، التي تقوم حاليا بدمج منتجات شركة سي ويد كومباني في الشوكولاتة والجبن وحتى المشروبات الفوارة الكحولية.
يوضح فاوترز "نحن نعمل مع المطاعم ومع الطهاة، لكن نعمل أيضا مع مصنعي اللحوم. ونقول: حسنا، خذ وصفتك الخاصة التي تستخدمها في العادة. لا يتعين علينا ابتكار وصفة جديدة، فقط قم باستبدالها بها".
لكن بينما يشير المؤيدون لها إلى أن الزراعة المائية للأعشاب البحرية لها القدرة على إحداث ثورة في الإنتاج المستدام للأغذية، يشير المنتقدون إلى الجوانب السلبية البيئية، خاصة إذا تم تبنيها على نطاق واسع. حيث تشمل هذه الجوانب التظليل في قاع البحر، الذي يمنع أشعة الشمس من اختراق الأعماق السفلية لمياه البحر، والتلوث الناتج عن استخدام المعدات كالمراسي والحبال، واحتمال استنفاد المغذيات.
تقر ريفي، مديرة المشاريع في شركة هاتش إنوفيشن سيرفيسيز الاستشارية لزراعة الأحياء المائية، بأن زراعة الأعشاب البحرية لها آثار سلبية، لكنها تقول "إن معظم المزارع في أوروبا ليست كبيرة بما يكفي لتحدث تأثيرا بالغا".
وعلى الرغم من أن تنوع مواقع الزراعة الحالية يجعل من الصعب قياس التأثير الكلي في النظم البيئية، تشير ريفي إلى أنه يجب على الشركات الالتزام ببروتوكولات زراعة الأحياء المائية الصارمة في أوروبا لتأمين التراخيص، وأن ترسم الأبحاث صورة شاملة مواتية. وكما تقول "حتى الآن، يشير العلم إلى أن مزارع الأعشاب البحرية (...) تسهم في إيجاد نوع أكثر إيجابية من بيئة المحيطات".
يؤكد فاوترز أن الأعشاب البحرية ليست حلا سحريا: إن التحول نحو نظام غذائي مستدام سيعتمد أيضا على الزراعة المتجددة الصديقة للطبيعة على الأرض، إضافة إلى التغييرات الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، فهو متحمس لما تنطوي عليه من إمكانات. إذ يقول "يمكن للأعشاب البحرية أن تلعب دورا مهما للغاية في عملية التحول".

سمات

الأكثر قراءة