أزمة سقف الديون الأمريكية تعكس ازدراء للمبشرين بالتشفير
كيف يمكن للمستثمر حماية نفسه من تخلف حكومة الولايات المتحدة عن السداد؟ في زمن مضى كان هذا سؤالا جنونيا، لكن اليوم أصبح الغريب شبه طبيعي في السياسة الأمريكية.
أشار كل من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، إلى أنهما يرغبان في إبرام صفقة لرفع سقف الديون الأمريكية البالغ 31 تريليون دولار - وبالتالي تجنب تخلف مفترض عن السداد - لكن لا تزال هناك نقاط شائكة كبيرة.
محللو وول ستريت يزنون الآن، بشكل خفي، خيارات الحماية بينما يتصارعون مع هذا الخطر الجديد الناجم عن حدث نادر كهذا.
يجادل بعضهم، مثل أولئك العاملين في بنك جيه بي مورجان، بأن "التنويع هو أفضل دفاع"، ويحثون المستثمرين على "التفكير في العملات والمعادن الثمينة مثل الين الياباني والفرنك السويسري والذهب والأسهم الدولية عالية الجودة". يبدو هذا معقولا.
لكن بعض آخر أكثر تركيزا. أشار بنك آر بي سي ماركتس الاستثماري الأسبوع الماضي إلى أن "الذهب يبدو واحدا من المرشحين القلائل المحتملين الذين سيتحملون عبء التدفقات الناتجة" عن القلق من التخلف عن السداد.
يؤكد هذا استطلاع أجرته "بلومبيرج" هذا الأسبوع. يستشهد مستثمرون محترفون وأفراد بأن الذهب هو الخيار الأكثر أمانا، بهامش كبير، يبلغ 52 و46 في المائة، على التوالي.
بعد الذهب تأتي سندات الخزانة، التي اختارها 14 و15 في المائة من المستثمرين المحترفين والأفراد (وهو ما يبدو غير بديهي حتى تدرك أن التخلف عن السداد سيؤدي إلى ركود في الولايات المتحدة). وتتخلف عملة بيتكوين كثيرا في المرتبة الثالثة، يليها الدولار والين والفرنك السويسري.
يأمل المرء أن يكون هذا كله مجرد افتراض. لكن حتى إذا تم تجنب التخلف عن السداد، فمن الجدير ملاحظة الإجابات. من ناحية، يوضح هذا الدرجة التي فشل عندها قادة منطقة اليورو في إقناع المستثمرين بأن عملتهم هي بديل معقول للدولار.
ثانيا، هذا النمط يعد ازدراء سيئا للمبشرين بالتشفير. فقبل كل شيء، تم إنشاء بيتكوين كبديل للنظام المالي الراسخ المقوم بالدولار. وإذا تجنبها معظم المستثمرين العاديين عندما يكون النظام القائم مهددا بأزمة، فهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل بيتكوين.
لكن النقطة الثالثة والأكثر إثارة للاهتمام تتمحور حول الذهب. قبل عقدين، بدا الاستثمار في هذا الأصل رجعيا بشكل غريب، نظرا إلى أنه لا يولد دخلا. لكن هذا الشهر كان سعر الذهب يتداول بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق (غير معدل للتضخم) عند 2069.40 دولار للأونصة، بعد ارتفاعه بنسبة 20 في المائة منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، وتضاعفه منذ 2016.
الأهم من ذلك أن بعض التحولات الطفيفة، لكن اللافتة للنظر حدثت أخيرا في نمط تداوله. فلطالما كان سعر الذهب مرتبطا بشكل عكسي بعوائد سندات الخزانة طويلة الأجل المرتبطة بالتضخم. والسبب هو أن كليهما يمكن أن يقدم تحوطا ضد التضخم - لكن نظرا إلى أن السندات تقدم عوائد، فإنها تصبح عادة أكثر جاذبية عندما ترتفع العوائد الحقيقية.
لكن منذ أوائل 2022، انهارت تلك العلاقة، ارتفعت العوائد الحقيقية، لكن سعر الذهب ارتفع أيضا. لماذا؟ يقول محللون في صندوق التحوط الأمريكي، بريدج ووتر، إن سببا رئيسا هو أن عديدا من البنوك المركزية كانت تلتهم الذهب أخيرا لأنها تريد تنويع احتياطياتها بعيدا عن الدولار في أعقاب العقوبات الغربية على روسيا بعد حرب أوكرانيا.
في الواقع، تظهر بيانات صادرة عن مجلس الذهب العالمي نشرت هذا الشهر، أن مشتريات البنوك المركزية وصلت إلى مستوى قياسي في الربع الأول من هذا العام، بعد مستويات قياسية سنوية في 2022.
لويز ستريت، من مجلس الذهب العالمي، تقول، "من المرجح أن يظل شراء البنوك المركزية قويا وسيكون حجر زاوية للطلب على مدار 2023". إنه تذكير مذهل بمدى الإحباط الذي تشعر به دول كالصين وروسيا من النظام القائم على الدولار، حتى لو كانت تفتقر إلى بديل قابل للتطبيق لهذا في الوقت الحالي.
مع ذلك، تعتقد شركة بريدج ووتر أن هناك عاملا آخر يقود الارتفاع هو أن الأعوام الـ15 الماضية من التسهيل الكمي والتضخم المرتفع، أخيرا، تركت البنوك المركزية ومستثمري التجزئة على حد سواء يبحثون عن الذهب بحسبانه مخزنا للقيمة.
تقول بريدج ووتر، "كان هناك تحول من المستثمرين، الذين يقيمون الذهب في المقام الأول بديلا للمدخرات الأخرى المقومة بالدولار، إلى تقييم الذهب بشكل متزايد بديلا للدولار"، لافتة النظر إلى أن الارتباط التقليدي بين الدولار وسعر الذهب انهار أخيرا.
بالتالي، لا عجب أن المستثمرين - سواء أكانوا بنوكا مركزية أو مستهلكين مرتبكين - يتبنون الذهب ضمن استراتيجية تحوط ضد التخلف عن السداد في الولايات المتحدة.
ربما يتغير هذا النمط مع إبرام صفقة حول سقف الدين. في الواقع، انخفض سعر الذهب أخيرا بشكل طفيف بسبب تعليقات مكارثي. وعندما واجهت أمريكا آخر أزمة متعلقة بسقف الديون في 2011، ارتفع سعر الذهب أيضا - لكنه انخفض بعد التوصل إلى اتفاق.
أعتقد أن التاريخ لن يعيد نفسه بدقة هذه المرة نظرا إلى المخاوف المتعلقة بالتضخم، واستخدام الدولار سلاحا، وحقيقة أن الخلل السياسي في أمريكا لن ينتهي بأي اتفاقية تتعلق بسقف الديون.
النقطة الأساسية هي أن الذهب أصبح الآن مقياسا جيدا ليس فقط لعدم الاستقرار العالمي، بل أيضا للخلل الوظيفي في الولايات المتحدة أيضا. بهذا المعنى، هناك رمزية شعرية، وإن كانت مروعة، في الطريقة التي تبنى بها دونالد ترمب، الرئيس السابق ومنافس جمهوري بارز في سباق الرئاسة في 2024، فكرة التخلف عن السداد - من منازله الآمنة، التي تشتهر (بشكل سيئ) بامتلائها بقطع الأثاث المصنوعة من الذهب.