رقم قياسي .. الشركات الأمريكية تستدين 112 مليار دولار في شهر
تسارع الشركات الأمريكية لاقتراض الأموال في سوق السندات، تحسبا لاحتمال أن تنتهي مواجهة متعلقة بسقف الديون إلى اضطرابات خلال الصيف.
أصدرت الشركات ذات التصنيف العالي سندات بقيمة 112 مليار دولار حتى الآن هذا الشهر، وفقا لبيانات من منصة ديلوجيك، مقارنة بـ46 مليار دولار في أيار (مايو) 2022 وأكثر من ثلاثة أضعاف ما تم بيعه في نيسان (أبريل). وباستثناء عام 2020، عندما أثارت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية حمى اقتراض بلغت قيمتها 196 مليار دولار، كان إصدار الشركات في أيار (مايو) هذا العام هو الأعلى منذ سبعة أعوام.
يقول مصرفيون يتعاملون مع صفقات سندات الشركات "إن المقترضين يستفيدون إلى أقصى حد من بيئة السوق المزدهرة نسبيا، استباقا لأي تقلب يمكن أن ينشأ جراء نفاد محتمل للسيولة النقدية لدى حكومة الولايات المتحدة"، سيناريو قد تكون له تداعيات على أسعار الأصول العالمية.
قال ريتشارد زغيب، رئيس أسواق مال الديون العالمية في سيتي "من العدل أن نقول إن هناك بعض التسارع في الإصدار"، مضيفا أن "الصفقات التي تم التعجيل بها تعكس مزيجا من (دعونا نتجنب هراء سقف الديون ودعونا ننتفع من سوق جيدة نوعا ما)".
وفقا لمشاركين في السوق، تلعب المخاوف الأوسع بشأن الاقتصاد دورا في صنع القرار بشأن التوقيت. ومع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من نحو صفر إلى نطاق مستهدف بين 5 و5.25 في المائة خلال 14 شهرا، اشتدت المخاوف بشأن دخول الولايات المتحدة في فترة ركود.
وفقا لزغيب "التسارع سببه أشخاص كانوا يخططون للوصول إلى السوق في المدى القريب إلى المتوسط نسبيا"، في حزيران (يونيو) أو تموز (يوليو)، لكنهم قالوا بدلا من ذلك: "سنذهب الآن".
المواجهة بشأن حد الاقتراض الفيدرالي الأمريكي اشتدت في الأسابيع الأخيرة، مع تحذير جانيت يلين وزيرة الخزانة، من أن ما يسمى الموعد النهائى -وهي اللحظة التي تنفد فيها أموال الحكومة وتخاطر بالتخلف عن سداد ديونها- قد تأتي قريبا في أول حزيران (يونيو).
ويتوقع على نطاق واسع أن تتجنب الحكومة التخلف عن السداد، الذي قد يحدث في حال فشلت في سداد مدفوعات مجدولة للمستثمرين الحاملين للسندات الحكومية، لكن المأزق الذي طال أمده يمكن أن يعطل نشاط المعاملات بشكل أوسع. وينظر إلى سوق سندات الخزانة التي تبلغ قيمتها 24 تريليون دولار، على أنها الأعمق والأكثر أمانا في العالم، ويتم الرجوع إليها عالميا لتحديد سعر عديد من الأصول الأخرى.
الآن تحوم عائدات السندات الأمريكية من الدرجة الاستثمارية -التي تعكس تكاليف الاقتراض- حول أقل من 5.5 في المائة، منخفضة من ذروة بلغت 5.71 في المائة خلال اضطرابات القطاع المصرفي في آذار (مارس)، وتظل أقل من أعلى مستوياتها في الخريف الماضي حين زادت على 6 في المائة. وكانت الفروق، العلاوة التي تدفعها الشركات لمستثمريها على سندات الخزانة، ثابتة بشكل عام هذا الشهر.
تيدي هودجسون، الرئيس المشارك للمجموعة العالمية للاستثمار في بنك مورجان ستانلي، أعرب عن اعتقاده أن "الجمع بين سندات الخزانة بعائد مقبول للشركات، إلى جانب احتمال حدوث اضطرابات في السوق خلال الصيف فيما يتعلق بسقف الديون، جعل من السهل على الشركات تسريع الأمور".
من جانبه، قال دان ميد، رئيس المجموعة ذات التصنيف الاستثماري في "بنك أوف أمريكا سيكيوريتيز"، "لقد رأينا المصدرين يعجلون بعمليات التمويل من أجل الاستفادة من الظروف المواتية للسوق"، لكن الشركات أيضا "تدرك أن هناك كثيرا من الخطر (...) هناك مزيج سقف الديون، والاحتياطي الفيدرالي، والمخاوف حول الاقتصاد".
غالبا ما يكون أيار (مايو) أقوى شهر للإصدار، وكان آذار (مارس) ونيسان (أبريل) أضعف بعد شهر شباط (فبراير) الكبير.
مع ذلك، تظهر بيانات "ديلوجيك" أن 56 شركة سعرت صفقات خاصة بسندات أمريكية ذات درجة استثمارية في أيار (مايو)، مع تخصيص أكثر من ثلثي العائدات بشكل أساسي لتمويل عمليات استحواذ، أعلى نسبة منذ كانون الأول (ديسمبر) 2021. أطلقت مجموعة فايزر للأدوية يوم الثلاثاء عملية بيع سندات ضخمة بقيمة 31 مليار دولار، للمساعدة على تمويل شرائها شركة سيجن.
أحد المشاركين في السوق ـلم يرغب في الكشف عن اسمهـ أشار إلى أن "فايزر" ومجموعة النفط والغاز، أوفينتيف، وشركة إكفيا المتخصصة في علوم الحياة من بين المقترضين الذين جاءت مبيعات سنداتهم هذا الأسبوع في وقت أبكر قليلا مما توقعته السوق.
لم تستجب أي من "فايزر" و"أوفينتيف" و"إكفيا" لطلبات التعليق.
أشار مصرفيون ومحللون إلى أن الشركات ذات العائد المرتفع ومنخفضة التصنيف كانت تركز عموما على ظروف الائتمان والرغبة في المخاطرة أكثر من عوامل الاقتصاد الكلي، مثل سقف الديون، وأنها تميل إلى الاستفادة من أسواق رأس المال بوتيرة أقل من نظيراتها ذوات الدرجة الاستثمارية.
بالنسبة إلى مورين أوكونور، الرئيسة العالمية لمجموعة الديون عالية الجودة في "ويلز فارجو"، "عدم اليقين الاقتصادي المتمثل في شكل رياح ركود تقليدي عكسية هو ما يدفع المصدرين في وقت مبكر من العام. بعد ذلك، ربما صب سقف الديون البنزين على تلك النيران، وهذا هو السبب في أننا نرى حجما كبيرا في أيار (مايو)".
زغيب، من سيتي، قال "إن خلفية أكثر إيجابية شجعت المصدرين على الاقتراض هذا الأسبوع، خاصة مع ورود أنباء أنهم (في واشنطن) يتفاوضون وأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكن إذا اجتزنا عطلة نهاية الأسبوع وقالوا إننا رجعنا خطوة كبيرة إلى الوراء، يمكننا بالتأكيد أن نرى التقلبات. وقد نرى الشركات تتراجع".
شددت أوكونور على أن سوق الاستثمار في الولايات المتحدة "مرنة بشكل لا يصدق (...) سيكون هناك دائما جمهور للأسماء الصحيحة"، مضيفة "أحاول أن أعطي بعض الهدوء لأولئك القلقين من أن النقاش حول سقف الديون سيطفئ الأنوار بالنسبة إلى سوقنا، لأن الأمر بساطة ليس كذلك".