قندهار .. هوليوودي عالمي يصور في السعودية

قندهار .. هوليوودي عالمي يصور في السعودية
مشهد من العمل.
قندهار .. هوليوودي عالمي يصور في السعودية
بوستر الفيلم.
قندهار .. هوليوودي عالمي يصور في السعودية
فريق العمل.

ليس أمرا مستحيلا ولا ضربا من ضروب الخيال، أنه واقع عاشته محافظة العلا في المملكة حين تحولت إلى وجهة سينمائية، اختارها صناع السينما الهوليوودية لتصوير أحدث أفلام الأكشن العالمية، شهدت صحراء العلا ومدينة جدة أعمال التحضير التي سبقت التصوير الذي استمر نحو عشرة أشهر، حل فيها نجوم عالميون ضيوفا على المملكة لتصوير عمل فني ضخم تخطت إيراداته التوقعات. وبدعم من هيئة الأفلام السعودية وبمشاركة مواهب عالمية ومحلية أبصر فيلم "قندهار" للمخرج ريك رومان النور وعرف طريقه إلى صالات السينما، ليرسخ الرؤية الثاقبة للقيادة التي تنهض بجميع القطاعات بما يتوافق مع برنامج جودة الحياة أحد مستهدفات رؤية 2030.
وتنقلت الكاميرا بين كل من محافظة العلا ومدينة جدة لتضيء على أبرز المناظر الجمالية الخلابة في تلك المناطق، فالعلا تعد متحفا قائما بذاته في الهواء الطلق، تديره الطبيعة بمساعدة التاريخ الرابض خلف تلك الكتل الصخرية الآبدة والأخاديد والجروف التي تقف شاهدة على عظمة من نحتها وسكنها من قديم الزمان، والتي أضفت ضخامة تصويرية ومشهدية على الفيلم، أما جدة، عروس البحر الأحمر، فهي تشتهر بأنها مدينة زاخرة بمشاهد التطور المعماري والحضاري حيث يوجد فيها ناطحات السحاب ذات التصاميم الهندسية المبتكرة ومجموعة من وجهات التسوق المتنوعة وكثير من الأماكن السياحية.
بين قندهار ودبي وفلوريدا
تدور أحداث الفيلم في إطار من التشويق والإثارة والأكشن، حيث يجسد بتلر شخصية توم هاريس، وهو عميل سري يعمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، يقوم بمهمات في إحدى المناطق الخطيرة في أفغانستان، ويتم الكشف عن مهمته السرية ليواجه عقبات خلال رحلته، فيحاول الهروب من الخطر برفقة مترجمه الأفغاني. الفيلم حافل بإثارة وحركة وتداخل في الأحداث والشخصيات والمواقع، من هيرات الأفغانية على الحدود الإيرانية - الأفغانية، إلى قندهار، إلى طهران، إلى دبي، إلى تامبا في فلوريدا الأمريكية.
صراع أجهزة المخابرات
ويركز الفيلم على قضية صراع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإيرانية والباكستانية، ومسرح الصراع هو الميدان الأفغاني والإيراني. وتواريخ الأحداث قريبة جدا، حيث يتناول وقائع مثل تفجير معمل "ناتنز" النووي الإيراني، واغتيال المشرف على البرنامج النووي الإيراني علي فخري زاده، وغيرهما من الأحداث القريبة التي لا زالت عالقة في ذاكرة الشعوب. الفيلم لامس الوجدان والواقع ودخل إلى عمق القضية كاشفا النقاب عن الوجه الآخر والمخيف للجماعات المتطرفة وما يمكن أن تقوم به لتحقيق مساعيها الانتقامية. كما تناول الفيلم الاختراقات الاستخباراتية العالمية لتنظيم "داعش"، وتسيير الاستخبارات الباكستانية لربيبتها "طالبان"، ونقد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسليم البلد لـهم وجناية هذا التسليم على واقع المرأة الأفغانية.
التقنيات العالية
تميز الفيلم من ناحية استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة، وجمال الصورة وإبهار تنفيذ المعارك والتفجيرات، وقد نجح صناع العمل ومن بينهم الفريق السعودي في تأمين تقنيات عالية الجودة لناحية الصورة والواقعية ودقة المشاهد وخطورتها، خاصة أنه يتناول عوالم الاستخبارات والمطاردات والمصالح الخفية، وانتصار الخير على الشر في النهاية، إضافة إلى إدخال عنصر استخباراتي قيادي أمريكي مسلم، من أصول غربية بيضاء، وليس مسلما من أصل آسيوي، وهو أمر جديد كليا على السينما الأمريكية.
وتمت الاستعانة بمجموعة من الكفاءات والمواهب السعودية في مختلف الأقسام، من طواقم الإخراج والإنتاج والمؤثرات البصرية والكاميرا والإضاءة والصوت وإدارة الحشود وخدمات النقل والشحن والإعاشة والإسعافات الأولية والحراسة الأمنية الخاصة وغيرها. ومما لا شك فيه أن هذه خطوة من شأنها جعل المملكة وجهة عالمية لإنتاج الأفلام وتحفيز مؤسسات وشركات الأفلام المحلية والدولية لتصوير أعمالها داخل المملكة، بما يضمن نمو صناعة الأفلام محليا، وزيادة قدرتها التنافسية عالميا، وتنمية الاقتصاد الإبداعي في المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في قطاع الثقافة والفنون.
الإيرادات وفرص العمل
تخطت أرباح الفيلم بالبوكس أوفيس العالمي حتى الآن نحو 2.8 مليون دولار وقد كلفت ميزانيته ما يزيد على 75 مليون دولار. وبحسب التقديرات الأولية، حقق فيلم "قندهار" عوائد اقتصادية مباشرة، إذ بلغت نسبة المشتغلين من طاقم العمل السعودي ما يزيد على 10 في المائة من مجموع طاقم عمل الفيلم المكون من 29 جنسية من مختلف دول العالم، واستفاد أكثر من 15 شركة ومؤسسة سعودية من العمل بشكل مباشر في الفيلم، منها شركات النقل الجوي التجاري والخاص، والفنادق والإسكان، والتخليص الجمركي، والمعدات والأدوات، والخدمات الصحية الخاصة، والإعاشة والتغذية وغيرها.
بين العلا وجدة
اللافت في هذا الفيلم هو أنه أول فيلم "عالمي" يتم تنفيذه على الأرض السعودية، حيث احتضنته منطقة العلا الأثرية والتاريخية والجغرافية الجميلة شمال غربي السعودية. تتميز العلا بطبيعة غنية ومبهرة، ما يجعلها وجهة مثالية للتصوير السينمائي، حيث ترسم طبيعتها الفريدة مشهدا استثنائيا لعالم صناعة الأفلام، وهذا ما شجع صناع فيلم "قندهار" على اختيار العلا لتكون أهم مواقع تصوير الأحداث، وقد تم استخدام طائرات الدرون لالتقاط أفضل المشاهد، كما ظهر أكثر من 24 موقع تصوير بين محافظتي جدة والعلا، وقد اختار صناع الفيلم الهوليوودي تحديدا منطقة العلا التاريخية شمال غرب السعودية لما تتميز به من حضارة قديمة وبقع ساحرة وطبيعية وتضاريس وكثير من الجبال الكفيلة بنقل أحداث يفترض أن تجري في عمق منطقة في أفغانستان حيث يجد عميل سري لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية نفسه عالقا إلى جانب مترجم أفغاني ومطاردا من قبل قوات النخبة الخاصة، ويضطر إلى مقاتلتها للفرار منها والخروج من قندهار.
أول الغيث
ها قد بدأت رحلة الألف ميل بخطوة سطرت تحت اسم "قندهار"، ليكون العمل فاتحة خير لصناعة كوادر سعودية حقيقية، وقد استغرق وقتا طويلا من التصوير إضافة إلى تكلفة إنتاجية كبيرة، هذا فضلا عن كونه تناول موضوع الإرهاب وحركات الإسلام السياسي والاستخبارات العالمية، ما قد ينقل الصورة الحقيقية غير تلك الصور المشوشة التي تتناقلها الألسنة وتبعدها عن فكر الإرهاب والتطرف، ويعد الفيلم تجربة رائدة وفريدة من نوعها تصور في المملكة التي بدأت أخيرا تستقطب أهم الإنتاجات، بدعم من هيئة الأفلام السعودية، مقدمة كل الإمكانات بأعلى المستويات لتنفيذ المشاريع بمستوى خيالي.
هذا أول الغيث في مسار الاحتضان السعودي للإنتاجات العالمية الكبرى، وستليه من المؤكد أعمال أخرى، وحاليا ما زالت بعض الأفلام قيد التصوير أو التحضير، وهذا مفيد لصناعة السينما في السعودية، من ناحية تجهيز كوادر عملية وفنية في كل مفردات السينما وصناعة الدراما، خلف وأمام الكاميرا. كما أن هذا الاحتضان مفيد أيضا في ترويج الجغرافيا السعودية التي ظلت بعيدة عن أنظار العالم، لم تمسسها يد التصوير العالمي ولا عيونه.

سمات

الأكثر قراءة