انقلاب محور الزمن
يعاني عالم الإنتاج المعرفي انقلاب محور الزمن، مثل الشمس إذا أشرقت من المغرب، فهذا ما يحدث في عالم الفهم والعلم.
ونظرا لانقلاب محاور التاريخ فشمس المعرفة تشرق من الغرب، وساعة الهجوم على العراق عام 1990 م كانت بتوقيت نيويورك وليس بتوقيت الشرق المنكوب.
ونظراً لتوقف الزمن في العالم العربي فنحن نعايش ظواهر مثل السوبرنوفا، أي استعار النجم الأعظم فعندما يموت نجم استهلك عمره، ينفجر على نحو درامي في الكون، ولكن المراصد تأخذ خبره بعد فترة زمنية تزيد وتنقص.
والانفجار المعرفي اليوم حتى يصل إلى العالم العربي يعاني ظاهرة السوبرنوفا.
وأتذكر أنني قرأت بحثا استهواني في تفسير الظلال لسيد قطب عند تفسير قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، وتعرض لذكر العقلية العلمية والغيبية، وذكر شواهد العلم الحديثة وقرأت البحث كعادتي بتشرب ودقة وعلى مهل، وهي عادة في منذ المراهقة، أي عشق المعلومات الجديدة، التي يفرزها العلم على نحو انقلابي، كما في النسبية وميكانيكا الكم والاستنساخ وثورة المعلومات. ولم أكن أعرف هذا العلم الذي يتحدث عنه صاحب الظلال، وكنت قد قرأته عام 1965م وعرفت لاحقا أن ما كان يتحدث عنه سيد قطب هو مبدأ الارتياب في ميكانيكا الكم ويمكن للقارئ مراجعة الظلال لقراءة تفسير الآية من سورة الأنعام.
وعندما اكتشفت هذه الحقيقة عرفت أن مفكرينا في القمة مصابون بظاهرة السوبرنوفا، وليس عندهم مناظير أيضا، لرؤية استعار النجم الأعظم بل يرون الأشياء بعيونهم المجردة.
هنا أصبت بشيء من الحسرة وعرفت طبيعة الكارثة الثقافية التي نعيشها بانقطاعنا عن العصر وطبيعة الصلة الهشة والغامضة، التي تقوم على الريبة والتردد في الاتصال، بما يجد في مخابر العلم. وقبل فترة كنت في كندا وتبين لي أن الناس تتصل بالإنترنت بنظام السيمباتكو وذكرني بلاعب الجمباز مقابل الكسيح في استخدامنا للكمبيوتر.
والمجتمع هناك يقوم على مبدأ الفعالية كما يقول مالك بن نبي. والحضارة تعني الزمن.
فإذا أردت أن تعرف أن مجتمعا ما دخل الحضارة حقاً، فتأمل وعيه للزمن، وهل أدخله في الحساب؟
وبعد مغادرتي كندا دخلت بلدا عربيا. ومنذ المطار إلى المطار كنت لا أكف عن العرج والزحف في كل أموري.
وانقطاع الكهرباء مثلاً لو حدث في كندا لقاضت الشركات الحكومة عن الكارثة الاقتصادية بساعات الإنتاج التي ضاعت. وهو فرض لا يمكن افتراضه في كندا إلا أن تصاب كندا بكارثة شمسية، كما حدث يوما عندما قذفت الشمس لهباً مخيفاً أثر في محطات الكهرباء في مونتريال وما عدا ذلك وبيد بشرية فلا يمكن أن يحدث، لأن البشر هناك يعملون مثل جن نبي الله سليمان وما منهم إلا له مقام معلوم.
ونحن لا نعرف الزمن ولا الإنتاج ونعيش خارج إحداثيات العصر. ويجب استيعاب حقيقة مرة ويجب أن نصارح بعضنا بعضا فيها أن الحضارة لا تعني المال ولو أمطرت السماء ذهبا وفضة كما يقول مالك بن نبي، بل هي تغيير وعي الإنسان، وإدخال الزمن إلى روعه ووعيه؛ فإذا بدأ يحسب وقته دخل الإنتاج.
والبرمجة اللغوية العصبية مبدأ يقوم على اكتشاف الفعالية في الإنسان، وتوفيرها وتحفيزها ليخرج الإنسان السوي يمشي على صراط مستقيم، هل يستوي هو ومن هو كلّ على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير؟
وعلم البرمجة أو الفعالية علم تقدم به اثنان من العلماء قبل 27 سنة عام 1975 هما عالم اللغويات جون غراندر وعالم الرياضيات ريتشارد باندلر وكان ذلك عام 1975م في كتاب ظهر بعنوان بنية التخيل، وخلاصته أن هناك هندسة نفسية يمكن بواسطتها التحكم في الإنسان!
ولكننا نعرف من تاريخ نظريات العلم أن علم الفرينولوجيا تحمس له العلماء كثيرا، ولم يكن يتطلب أكثر من تمرير اليد على الجمجمة وتعرجاتها للحكم على ملكات الإنسان وطبيعة كيميائه ومزاجه. ثم ظهر أنها لا تزيد عن دجل.
وهكذا فنحن نحتاج كثيرا للنمو، وأنا حاليا أدعو الشباب والمقتدرين إلى ثلاث: دورات في البناء المعرفي، وإنشاء مراكز تفكير منهجية، والثالث تبني المقتدرين لهذا المشروع لأنه استثمار للمستقبل من أجل إيجاد مراكز التفكير (Think – Tanks - Center).
النفط والغاز سينضبان فما عندكم ينفد وما عند الله باق، والاستثمار يجب أن يكون في إيجاد كوادر علمية في السنوات العشرين المقبلة ..