هل سوق وظائف اليورو قوية كما يعتقد واضعو أسعار الفائدة؟

هل سوق وظائف اليورو قوية كما يعتقد واضعو أسعار الفائدة؟

أصبح واضعو أسعار الفائدة في منطقة اليورو قلقين بشكل متزايد من الفجوة الواضحة بين سوق الوظائف المزدهرة على ما يبدو وتزايد العلامات التي تشير إلى ركود اقتصادي.
وصلت البطالة في المنطقة إلى مستوى قياسي منخفض بينما تكافح الشركات لملء شواغرها. لكن اقتصاد منطقة اليورو عانى انكماشا طفيفا خلال الربعين الماضيين.
تكمن الفجوة بين قوة سوق العمل وضعف النمو في انخفاض إنتاجية العمال، ما أسهم في معدل تضخم يبلغ 5.5 في المائة الذي لا يزال مرتفعا للغاية بالنسبة إلى واضعي أسعار الفائدة.
متشددو البنك المركزي الأوروبي عازمون على تجنب المصير الذي آلت إليه المملكة المتحدة، حيث أدت سوق العمل الضيقة فيها إلى تفاقم التضخم لأعلى مما هو عليه في منطقة اليورو. إنهم يريدون زيادات أكثر في تكاليف الاقتراض، على الرغم من رفع سعر الفائدة على الودائع بمقدار أربع نقاط مئوية إلى 3.5 في المائة.
حذرت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أنه ما لم تكن الشركات على استعداد "لاستيعاب" تكلفة انخفاض الإنتاجية، فإن السياسة النقدية يجب أن تصبح أكثر تقييدا.
لكن بعض الاقتصاديين يعتقدون أن إجراء زيادات أكثر في أسعار الفائدة قد يقضي على الوظائف دون أن يكون لها تأثير كبير في الأسعار. إذن ما الاستنتاجات بشأن سوق العمل التي ينبغي للبنك المركزي الأوروبي استخلاصها قبل اجتماعه الخاص بالسياسة النقدية الذي سيعقد هذا الشهر؟

الموظفون يعملون ساعات أقل
في ظاهر الأمر، كان تعافي الوظائف في منطقة اليورو مثيرا للإعجاب تقريبا كما في الولايات المتحدة.
أظهرت الأرقام التي أعلنت الأسبوع الماضي أن البطالة في منطقة اليورو ظلت عند أدنى مستوى تاريخي لها عند 6.5 في المائة في أيار (مايو)، حتى في ظل ركود الاقتصاد. كما تشير استطلاعات الشركات إلى أن نقص العمالة لا يزال منتشرا على نطاق واسع وأن الشركات حريصة على التوظيف، حتى لو انخفض معدل الوظائف الشاغرة قليلا عن أعلى مستوى له بعد الجائحة.
لكن على الرغم من وجود وظائف أكثر، والنسبة الأعلى منها بدوام كامل، فإن الناس يعملون لساعات أقل في المتوسط.
قد يعكس هذا تفضيلا متناميا لوقت الفراغ بعد أن جعلت اضطرابات كوفيد الناس يعيدون التفكير في أولوياتهم. قال بيتر شافريك من "آر بي سي كابيتال ماركتس" إن ساعات العمل الأقصر تعكس "تغييرات سلوكية دائمة (...) من غير المرجح أن يتم عكسها".
فيما يشك البنك المركزي الأوروبي أن ذلك يتعلق أكثر باكتناز اليد العاملة، حيث تتمسك الشركات بالعاملين لديها حتى مع تضاؤل حجم الأعمال التجارية لأنها قلقة من عدم قدرتها على توظيفهم مرة أخرى بسهولة عندما ينتعش الاقتصاد.
في كلتا الحالتين، سيتوجب على الشركات تعيين موظفين أكثر فقط للحفاظ على الإنتاج ثابتا. وهذا قد يعني بدوره أن أسعار الفائدة يجب رفعها وأن تبقى مرتفعة لفترة أطول من أجل إبقاء ضغوط الأجور تحت السيطرة.

معظم نمو الوظائف موجود في قطاعات أقل إنتاجية
لفت البنك المركزي الأوروبي الانتباه إلى عامل آخر يمكن أن يفسر الفجوة بين التوظيف والنمو. وهو أن جزءا كبيرا من توفير فرص العمل يوجد في القطاع العام، حيث تميل ساعات العمل إلى أن تكون أقصر، وفي الخدمات، حيث الإنتاجية تميل إلى أن تكون أقل منها في الصناعة.
ينطبق هذا بشكل خاص على ألمانيا وإسبانيا، حيث أدت الزيادة في التوظيف في قطاعي الصحة والتعليم إلى تعويض تباطؤ الطلب في القطاع الخاص.
وإذا كان هناك تحول دائم من وظائف القطاع الخاص إلى القطاع العام، فذلك يعني أن الإنتاجية ستكون أقل على المدى الطويل.
يتفق بعض الاقتصاديين مع الرأي القائل بأن الاتجاه الأضعف في الإنتاجية سيستمر.
قال ألكسندر ستوت، الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس، إن الانخفاض الأخير سيكون "على الأقل دائما إلى حد ما في طبيعته وسينعكس ببطء فقط في اتفاقيات أجور العمل".

الانتعاش قد يكون أكثر هشاشة مما يبدو
جادل اقتصاديون آخرون بأنه إذا رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة أكثر من اللازم، فإنه يخاطر دون داع بتدمير الوظائف التي تحتاج إليها الاقتصادات الأكثر فقرا في الاتحاد. في كثير من أسواق العمل في جنوب أوروبا، لم يتعاف التوظيف تماما بعد من الأزمة المالية لـ2008.
قال نيكولاس جوتزمان، رئيس قسم الأبحاث في شركة فينانسيير دو لا سيتي في باريس، إن التوظيف المرتفع بشكل قياسي أعطى انطباعا وهميا بالقوة، لكنه أخفى تباينا كبيرا بين الاقتصادات الكبرى في الاتحاد.
كما أضاف أن التوظيف انخفض في ألمانيا خارج القطاع العام. ونمو وظائف القطاع الخاص كانت تدفعه فرنسا، ويرجع ذلك لحد كبير إلى زيادة برامج التدريب المهني المدعومة بالإعانات الحكومية.
"لا توجد قصة خيالية تتعلق بمنطقة اليورو والتوظيف"، كما قال جوتزمان، مضيفا أن الشركات التي تكتنز اليد العاملة قد تتحول بسرعة إلى خفض الوظائف في حال ساء الوضع الاقتصادي. "إنه أمر مخيف الآن أن البنك المركزي الأوروبي يكافح بشدة ضد الطلب المحلي (...) لكسر سوق عمل بدأت تتحسن قليلا لأول مرة منذ 40 عاما".
قال إريك نيلسن، كبير المستشارين الاقتصاديين في بنك يونيكريديت، إن توقعات البنك المركزي الأوروبي تظهر أن الأجور بالكاد تواكب الأسعار إذا تم قياسها منذ بداية صدمة التضخم. وأضاف أنه نظرا إلى أن مكاسب الأجور تحققت بشكل أساسي في شمال أوروبا، فقد كانت هناك أيضا عملية إعادة توازن تشتد الحاجة إليها داخل منطقة اليورو، وهو ما سيساعد جنوب أوروبا على المنافسة.

المؤشر الخاطئ؟
يقول آخرون إنه حتى لو كان حدس البنك المركزي الأوروبي بشأن الإنتاجية والتضخم صحيحا، فإن البنك المركزي يراقب المؤشر الخطأ.
يركز البنك المركزي الأوروبي على تكلفة اليد العاملة لكل وحدة إنتاج، حيث تشير لاجارد إلى أن ارتفاع هذا المقياس دليل على أن الإنتاجية ضعفت في مواجهة ضغوط الأجور.
قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي إن هذا الارتفاع في تكلفة اليد العاملة لكل وحدة إنتاج كان "سببا رئيسا وراء مراجعتنا أخيرا لتوقعاتنا للتضخم الأساسي".
لكن الاقتصاديين مثل كلاوس فيستيسن من شركة بانثيون ماكرو إيكونوميكس الاستشارية يقولون إن المقياس "متأخر للغاية". كما قالوا إن تكلفة اليد العاملة لكل وحدة إنتاج هي "آخر شيء يجب تغييره قبل حدوث الركود مباشرة".
"إذا وضعت سياسة تتعلق بتكلفة اليد العاملة لكل وحدة إنتاج (...) فستكون هناك فرصة بنسبة 90 في المائة أنك ستخطئ".

سمات

الأكثر قراءة