الإرشاد الأسري ما بين الضبط والإهمال

قبل أيام نظم المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية، بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية، ندوة قيمة حول "التحديات المستقبلية التي تواجه الإرشاد الأسري في المملكة". هذه الندوة تعد مبادرة رائعة تأتي في الوقت المناسب، لإبراز واقع الإرشاد الأسري، والتوجهات الاستراتيجية لدى وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في هذا المجال. وإلى جانب ذلك، ركزت الندوة على التحديات المعرفية والمهارية التي يحتاج إليها الممارسون للإرشاد الأسري، وكذلك أظهرت بعض المداخلات إشكالات تعدد الجهات وغياب التشريعات في مجال تقديم خدمات الإرشاد الأسري، مع إشارة إلى الكفاءة الثقافية في مجال الإرشاد الأسري، وعلاوة على ذلك ركزت إحدى الجلسات على التجارب الدولية في الإشراف العيادي، وكذلك في الإعداد المهني والعلمي لعمل المستشار الأسري.
لا أبالغ إذا قلت إن مجال الإرشاد الأسري من أهم وأخطر الأمور المؤثرة في الاستقرار الأسري، فهو سلاح ذو حدين أو كالعسل والسم في آن واحد، فمن جهة يمكن أن يسهم في استقرار الأسرة إذا تولت تقديم الإرشاد الأسري كفاءات مؤهلة بالعلم والتدريب، وتخضع إجراءات الترخيص لمعايير شخصية ونفسية واجتماعية.
من جهة أخرى، يمكن أن يصب الزيت على النار ويشكل مصدر تعاسة، بل يمزق شمل الأسر إذا تولى هذه الممارسة "من هب ودب" من صغار القوم، وأقلهم حكمة وحنكة وعلم وصلاح نفسي وأخلاقي.
من الأمور التي استوقفتني في أثناء الاستماع لبعض المداخلات، أن نسبة ليست صغيرة من الممارسين هم من تقل أعمارهم عن 40 عاما، وبعضهم لم يحصل على شهادة جامعية في مجالات التخصص في الخدمة الاجتماعية أو علم الاجتماع أو علم النفس أو التربية أو القانون أو العلوم الشرعية. وفي ظني لا يكفي أن يكون الشخص متخصصا في هذه العلوم فقط، إذ لا بد من اجتياز اختبارات في مجال الاستقرار النفسي والاجتماعي كل عام. ومما يسعد ويبهج أن كثيرا من هذه المتطلبات تطبق في كثير من الأحيان، خاصة من خلال برنامج تأهيل وتدريب ممارسي الإرشاد الأسري التابع لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الذي تنفذه جمعية المودة للتنمية الأسرية. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن ما يقلقني وغيري ما تداولته وسائل التواصل حول شخص يتلقى العلاج النفسي، وفي الوقت نفسه يحصل على ترخيص لممارسة الإرشاد الأسري. وهذا يؤكد ضرورة مراجعة الأنظمة وجهات الترخيص، إلى جانب ضبط ممارسات الإرشاد الأسري المنتشرة في المجتمع دون رقيب! وتزداد خطورة هذا الموضوع كون المحتاج للإرشاد الأسري في حالة ضعف يسهل استغلاله أو توجيهه التوجيه الخطأ، أو حتى التخبيب بين الأزواج!
كما برز من خلال الندوة وجود ضعف في التنسيق بين الجهات المختلفة وضعف، كذلك في ضبط ممارسات الإرشاد الأسري، إلى جانب ملاحظة خلو المناطق الإدارية في شمال المملكة من مراكز الإرشاد الأسري، مثل حائل والجوف والحدود الشمالية.
أخيرا، إلى جانب ضرورة تكثيف جهود ضبط الممارسات وضمان جودتها والتأكد من كفاءة الممارسين، أقترح إنشاء لجنة أو هيئة عليا تشتمل على الجهات الحكومية والأهلية تعنى بالتشريعات والتنظيمات وتنسيق الجهود، ولا يقل عن ذلك أهمية ضبط ممارسات الإرشاد الأسري، والكشف عن أخطاء ممارسات الإرشاد الأسري أسوة بالأخطاء الطبية في مجال الصحة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي