أسعار القمح تقفز 13 % خلال 3 أيام مع انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب

أسعار القمح تقفز 13 % خلال 3 أيام مع انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب

قفزت أسعار القمح مجددا أمس لتصل مكاسبها على مدار ثلاثة أيام إلى 13 في المائة.
وزادت المخاوف من استمرار ارتفاع الأسعار بعد أن حذرت الولايات المتحدة من أن روسيا وضعت ألغاما في موانئ الحبوب الأوكرانية، بحسب ما أوردته وكالة "بلومبيرج" للأنباء أمس.
وجاء التحذير الأمريكي بناء على معلومات استخبارية، بعد أن قالت روسيا الأربعاء: إن جميع السفن المبحرة إلى تلك الموانئ ستعد سفنا عسكرية.
وأدت التهديدات إلى تبديد الآمال أن تتمكن أوكرانيا من الاستمرار في تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي يعد تاريخيا طريق الشحن الأكثر أهمية، ما أدى إلى نقل الإمدادات المتجهة إلى الأسواق العالمية من خلال طرق أضيق وأكثر تعقيدا.
ونفذت روسيا أخيرا تهديدها المتكرر بتعليق مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود.
وحتى صباح الإثنين الماضي الموافق 17 تموز (يوليو) الجاري، آخر يوم في الاتفاق، كانت المؤشرات كلها تشير إلى تمديده، لكن الموقف تغير تماما عندما تعرض جسر يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا إليها للهجوم للمرة الثانية، ما أدى إلى مقتل شخصين.
ويبدو أن اتفاق الحبوب سيظل معلقا خلال الأسبوعين المقبلين على الأقل حتى تنتهي القمة الروسية - الإفريقية المقرر عقدها في مدينة سان بطرسبيرج الروسية يومي 27 و28 تموز (يوليو)، وربما يستمر تعليق الاتفاق حتى يلتقي الرئيسان التركي والروسي في آب (أغسطس) المقبل.
وتقول ألكسندرا بروكوبينكو الباحثة غير المقيمة في مركز كارنيجي روسيا - أوراسيا لأبحاث السلام في تحليل نشره موقع كارنيجي: إن الأسواق لا تبدو مقتنعة بأن فترة تعليق الاتفاق ستكون طويلة، فموسكو هددت بالانسحاب من الاتفاق مرات عديدة، لكن لم يتم التعامل مع أي منها بجدية، وفي كل الأحوال فإن الكرملين يعتمد على شركائه بدرجة لا تجعل الانسحاب من الاتفاق بسيطا بالنسبة له.
يذكر أنه تم التوصل إلى اتفاق تصدير الحبوب بين روسيا وأوكرانيا بوساطة الأمم المتحدة وتركيا منذ عام، بهدف السماح بتصدير كميات الحبوب الأوكرانية التي تحتاج إليها أسواق العالم بشدة لوقف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.
ووفقا للجزء الأول من الاتفاق تعهدت روسيا بعدم مهاجمة سفن الشحن التي تحمل الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود، في حين تتولى تركيا والأمم المتحدة تفتيش حمولة السفن.
في المقابل يقضي الجزء الثاني من الاتفاق بإعفاء صادرات روسيا من المنتجات الزراعية والأسمدة من العقوبات الأمريكية والأوروبية.
ومنذ توقيع الاتفاق قبل عام تم تصدير نحو 32 مليون طن من الحبوب الأوكرانية تراوح قيمتها بين ثمانية وتسعة مليارات دولار إلى دول عديدة منها الصين وإسبانيا وتركيا. وأسهم الاتفاق في خفض أسعار الغذاء العالمية بنسبة 11.6 في المائة بحسب مؤشر الأمم المتحدة لأسعار الغذاء. ويعد الاتفاق بالنسبة لأوكرانيا مصدرا رئيسا للعملة الصعبة، كما أنه أفرغ مخازن الحبوب الأوكرانية حتى تستوعب المحصول الجديد، ومنع الأسعار المحلية من التراجع.
وبعد ستة أسابيع بدا أن الكرملين يعيد النظر في الاتفاق، وشكا من عدم التزام الأطراف الأخرى بشروطه. وتعترض روسيا رسميا على عدم تصدير الحبوب الأوكرانية إلى الدول الفقيرة، رغم أن وجهة التصدير لم تكن جزءا من الاتفاق. في الوقت نفسه فإن الهدف الرئيس لروسيا من الاتفاق كان إلغاء القيود على صادراتها من الحبوب والأسمدة. ورغم إعفاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمنتجات الزراعية والأسمدة الروسية من العقوبات، ما زالت الشركات الأوروبية مترددة في العودة إلى التعامل مع نظيراتها الروسية كالمعتاد.
كما أن روسيا غير راضية عن عدم إعادة ربط البنك الزراعي الروسي المملوك للدولة بنظام تسوية المعاملات المصرفية الدولية سويفت كما يقضي الاتفاق. وبدلا من ذلك اقترحت الأمم المتحدة حلا وسطا يتمثل في ربط فرع تابع للبنك بنظام سويفت.
ورغم القيود الغربية نجحت روسيا في تصدير 60 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق الخارجية خلال السنة الزراعية المنتهية في 30 يونيو الماضي، وجنت أكثر من41 مليار دولار من هذه الصادرات. ولا تبدو التوقعات بشأن عائدات الصادرات والمحصول الجديد أقل تفاؤلا من العام الماضي.
فالمستودعات ما زالت مليئة بكميات قياسية من الحبوب، والمصدرون الروس تكيفوا مع العقوبات.
وتقول بروكوبينكو الباحثة الزائرة في مركز النظام والحوكمة لأوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى التابع للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية: إن روسيا عندما وافقت على اتفاق تصدير الحبوب لم تكن تدرك مدى تزايد اعتمادها على الصين وتركيا، بل إن الصين - كأحد المستوردين الرئيسين للحبوب الأوكرانية التي تم تصديرها وفقا للاتفاق - أدرجت موضوع الاتفاق كبند منفصل في خطتها للسلام في أوكرانيا. ولا تريد موسكو إفساد علاقتها مع بكين التي أصبحت أكبر مستورد لمواد الطاقة الروسية وأكبر بائع للسلع الخاضعة للعقوبات الغربية في السوق الروسية.
الأمر نفسه يتكرر مع تركيا، فالصادرات التركية إلى روسيا خلال النصف الأول من العام الحالي تضاعفت إلى نحو خمسة مليارات دولار، في حين صدرت روسيا سلعا إلى تركيا بقيمة 27.7 مليار دولار. وأصبحت أنقرة بالنسبة لموسكو ليست فقط مجرد مركز لوجستي مهم، بل "واحدة من عدد قليل من الدول التي تجري معها حوارا على مستوى رفيع"، بحسب اعتراف الكرملين أخيرا.
وكما ترى بروكوبينكو فإن استقرار أسعار القمح في السوق العالمية رغم إعلان روسيا تعليق مشاركتها في الاتفاق يشير إلى أن الأسواق لا تعتقد أن الحبوب الأوكرانية ستظل حبيسة داخل البلاد.
في الوقت نفسه استعدت أوكرانيا لانهيار الاتفاق، وتواصلت بشكل مستقل مع شركات النقل والتأمين وقدمت ضمانات لسلامة الشحنات. كما أسست كييف صندوق تأمين خاص لهذا الغرض برأسمال قدره 547 مليون دولار. ورغم ذلك فإنه إذا لم تعد روسيا إلى الاتفاق في المستقبل القريب سترتفع الأسعار العالمية.
وأخيرا، فالمتوقع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لموسكو في الشهر المقبل لمناقشة ملف اتفاق الحبوب وملفات أخرى. من جانبه قال جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أمس: إن روسيا مسؤولة عن أزمة إمدادات غذاء عالمية كبيرة.
وبحسب "رويترز"، أضاف بوريل للصحافيين قبل توجهه لاجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي "ما نعلمه بالفعل هو أن ذلك من شأنه أن يتسبب في أزمة غذاء كبيرة وضخمة في العالم".
واتهم بوريل روسيا أيضا بتعمد مهاجمة منشآت تخزين الحبوب الأوكرانية في مدينة أوديسا الساحلية بجنوب أوكرانيا، وهو ما قال إنه سيعمق الأزمة الغذائية.
من جهتها، أعلنت أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية تعزيز مساعيها لأجل إتاحة تصدير الحبوب من أوكرانيا.
وقالت بيربوك أمس خلال اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل "مئات الآلاف من الأشخاص، إن لم نقل ملايين، بحاجة ملحة للحبوب من أوكرانيا.. لهذا السبب نتعاون مع جميع الشركاء على مستوى العالم، كي لا تفسد الحبوب حاليا في الصوامع بأوكرانيا خلال الأسابيع المقبلة، وإنما لتصل إلى الناس في العالم الذين يحتاجون إليها بشدة".
وذكرت بيربوك أنه من الممكن مستقبلا أن يتم نقل مزيد من الحبوب من أوكرانيا عبر السكك الحديدية.
وكان الاتحاد الأوروبي بدأ بالفعل بعد وقت قصير من الحرب الروسية ضد أوكرانيا تعزيز طرق نقل بديلة.
وأشارت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أعلن بوضوح تماما أخيرا أنه لن يتم السماح بالتعرض لأي ابتزاز، ولكن سيتم استخدام جميع القوى وبذل أقصى المساعي من أجل إتاحة تصدير الحبوب من أوكرانيا.
بدوره، دعا دميترو كوليبا وزير الخارجية الأوكراني أمس إلى تجديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود لمواجهة انعدام الأمن الغذائي في العالم.

الأكثر قراءة