سباق الذكاء الاصطناعي .. هل الرابح واحد؟
هل ينظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه مسرع شركات -شيء يجلب ميزات جديدة "ذكية" للمنتجات الحالية ويزود دفعة في إيرادات شركات التكنولوجيا؟
أم أنه منصة جديدة ثورية لديها إمكانية تغيير ميزان القوى في صناعة التكنولوجيا؟
لقد ظل هذا السؤال معلقا منذ ظهور شات جي بي تي في المشهد. الذكاء الاصطناعي التوليدي -النوع الذي يمكنه تأليف مقال لواجب منزلي أو إنتاج صورة حسب الطلب- يعد بإدخال بعد قيم لعديد من منتجات البرمجيات. ما مدى فائدة التطبيق الذي تستخدمه إذا كان في إمكانه توقع حاجتك التالية وأن يقدم اقتراحا مبتكرا؟
لكن بتقديم طريقة جديدة تماما للتفاعل مع أجهزة الحاسوب، يمكن أن تصبح هذه التكنولوجيا أيضا منصة في حد ذاتها. فتطبيقات عديدة تتصل بنماذج لغوية ضخمة تابعة لشركة أوبن إيه آي، حيث تعتمد عليها كي تضيف ميزات الذكاء الاصطناعي. على مر التاريخ، كانت منصات التكنولوجيا مثل هذه تميل إلى أن تكون محصورة - سواء أكان ذلك يتضمن البرامج وراء أجهزة حاسوب محمولة (تستخدم نظامي ويندوز أو ماك أوه إس) أو هواتف ذكية (آيفون أو أندرويد) أو متصفحات الإنترنت (كروم أو سفاري). كم عدد ما يسمى بـ "نماذج الأساس" للذكاء الاصطناعي التي ستدعمها السوق؟
يركز المستثمرون في الوقت الحالي تركيزا كبيرا على فكرة الذكاء الاصطناعي كونه مسرعا. كانت مكالمات الأرباح هذا الأسبوع في "مايكروسوفت" و"ألفابيت" و"ميتا" محاطة بأسئلة تدور حول متى ستمد تحسينات الذكاء الاصطناعي التوليدي بزيادة في الإيرادات (وكم تكلفة تأسيس خدمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتشغيلها).
كان قرار "مايكروسوفت" الأسبوع الماضي بفرض رسوم قدرها 30 دولارا شهريا على ميزات الذكاء الاصطناعي التي تخطط لإضافتها إلى تطبيقات الإنتاجية التابعة لها هو أكثر تأكيد واثق حتى الآن بموجة الذكاء الاصطناعي التوليدي القادمة.
لكن إذا أصبحت النماذج اللغوية الضخمة تكنولوجيا أساسية تعتمد عليها عديد من المنتجات والخدمات التكنولوجية المستقبلية، فهذا يشير إلى أن التحكم في النماذج اللغوية الضخمة المتطورة سيكون متطلبا أساسيا للدخول في مستويات شركات التكنولوجيا الكبرى. "مايكروسوفت" من خلال ارتباطها الوثيق بـ "أوبن إيه آي"، و"جوجل" هما في صدارة تطوير هذه التكنولوجيا. هل يمكن لشركات أخرى اللحاق بهما أثناء تسابقهما في بناء نماذج ذكاء اصطناعي أضخم من ذي قبل - وماذا يعني عجز الشركات الأخرى عن تحقيق ذلك؟
اعتادت شركات أبل وأمازون وميتا النظر إلى تعلم الآلة على أنه عنصر مهم في منتجاتها، لكنه مجرد عنصر فقط - شيء لتحسين نظام التوصيات أو تقديم أدوات تحليلية لمعلنين، لكنها تسارع الآن لإعطاء الذكاء الاصطناعي مكانة مركزية في عملياتها.
يبدو أن "مايكروسوفت" باغتت "أمازون ويب سيرفيسز"، التي تعد المنافسة الأقرب لها في الحوسبة السحابية، عندما يتعلق الأمر بتشغيل خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي. لا يزال الذكاء الاصطناعي في بداية عهده، لكن "مايكروسوفت" توقعت أن يضيف أكثر من نقطتين مئويتين من النمو إلى أعمالها السحابية هذا الربع. فيما تتقدم" أمازون ويب سيرفيسز" الآن بسرعة للحاق بالركب، حيث أعلنت هذا الأسبوع سلسلة من التطورات، بما فيها إتاحة وصول عملائها إلى نطاق أوسع من نماذج اللغة الضخمة مقدمة من شركات أخرى.
من جهة أخرى، الـ 3.9 مليار شخص الذين يستخدمون أحد تطبيقات "ميتا" مرة واحدة على الأقل في الشهر، قد يشكلون جمهورا هائلا. قدم الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج هذا الأسبوع تلميحا لما يجب أن نتوقعه، مجموعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي من مساعدين ووكلاء وصور رمزية ستملأ خدمات الشركة قريبا، كما أشار، لمساعدة المستخدمين على إنتاج محتوى أفضل وزيادة تفاعلهم مع روبوتات الدردشة.
لدعم هذه الطموحات، أنتجت "ميتا" عائلة من النماذج اللغوية مفتوحة المصدر تسمى لاما. تعمل "أمازون" على تطوير نماذجها الخاصة، التي تسمى تايتان، وذكرت وكالة "بلومبيرج" الأسبوع الماضي أن "أبل" انضمت أيضا إلى السباق.
أخبر زوكربيرج مستثمري "ميتا" هذا الأسبوع أنه لا يعتقد أنه سيكون هناك "ذكاء اصطناعي واحد يتفاعل معه الناس"، وأن منشئي المحتوى وغيرهم يفضلون توظيف أدوات مختلفة لأغراض مختلفة. أشار آدم سيليبسكي، رئيس "أمازون ويب سيرفيسز"، إلى النقطة نفسها في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، قائلا إنه لن يكون هناك نموذج واحد يحكمها جميعا.
من السابق لأوانه الحكم على النتيجة. ففي الأيام الأولى للبحث على الإنترنت، كان هناك اعتقاد على نطاق واسع أن عددا من الخدمات المتنافسة ستتنافس فيما بينها، حيث تملأ محركات بحث متخصصة تخصصات مختلفة في السوق. لكن عوضا عن ذلك، انتهى الأمر بهيمنة خدمة بحث واحدة ذات أغراض عامة. ورهان "أوبن إيه آي" على بناء نماذج لغوية أضخم من ذي قبل يوضح أن الأمر ذاته سينطبق على الذكاء الاصطناعي.
إذا ثبتت صحة تنبؤات وول ستريت المتفائلة، فلن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ الثمار الأولى لنمو الذكاء الاصطناعي في الظهور في تقارير أرباح شركات التكنولوجيا. سيستغرق التأثير النهائي على صناعة التكنولوجيا وقتا أطول حتى يتجلى.