الوديعة.. تعريفها وحكمها
لقد أولى المسلمون الفقه الاقتصادي عناية كبيرة ووضعوا له مصنفات عديدة يعود أولها إلى القرن الثاني الهجري، ومن بواكير المصنفات الاقتصادية الإسلامية ما وضعه أبو حمزة الثمالي الكوفي، المتوفى في حدود عام 150 هجرية/767ميلادية, وهو أحد رجال الحديث والتفسير الثقات، وقد تعددت أبواب كتب الأموال والخراج والزكاة، وبعضها جاء بطلب من الخلفاء، ونهض فقهاء الإسلام في التأليف في مختلف أوجه التعاقد والبيوع والتجارة، وصنفوا أبوابا فقهية في موضوعات عدة، منها البيوع, النفقات, الدين, الكفالة, الحوالة, الإجارة, العارية, خيار الشرط, وخيار النظر وغيرها، ومما ألف فيه موضوع الوديعة وعقدها.
العقد اصطلاحاً: هو اتفاق بين طرفين يلتزم كل منهما بتنفيذ ما اتفقا عليه كعقد البيع، وقد عرفه الفقيه المعاصر الدكتور مصطفى الزرقا بأنه: "ارتباط إيجاب بقبول يظهر أثره في محله".
أما الوديعة لغة: فهي ما استودع، وأودع الشيء: صانه، والوديعة واحدة الودائع، وأودعته مالاً: دفعته إليه ليكون وديعة.
أما الوديعة اصطلاحاً: فهي المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض، أو هي المال الذي يودع عند شخص لأجل الحفظ، ويطلق التعريف على العين المودعة ذاتها، وعلى العقد المنظم للإيداع.
أما من الناحية الاقتصادية؛ فالإيداع يطلق على مظاهر وأشكال متعددة، وتعرف الوديعة المصرفية بأنها: " الأموال التي يعهد بها الأفراد أو الهيئات إلى المصرف على أن يتعهد المصرف برد مساوٍ لها إليهم أو نفسها لدى الطلب أو بالشروط المتفق عليها"، وعرفها محمد الفقيه محمد باقر الصدر بقوله: "تعبر الوديعة بمختلف أشكالها في مفهوم البنوك الربوية, عن مبلغ من النقود يودع لدى البنوك بوسيلة من وسائل الإيداع، فينشئ وديعة تحت الطلب أو لأجل محدد اتفاقاً، ويترتب عليه من ناحية البنك الالتزام بدفع مبلغ معين من وحدات النقد القانونية للمودع أو لأمره، أو لدى الطلب أو بعد أجل".
أما مشروعية عقد الوديعة فهي نابعة من كون الوديعة مشروعة بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بإجماع الفقهاء.
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا"( 58) سورة النساء. وهذه الآية وإن نزلت في رد مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, وبقوله تعالى: "فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ"(283) سورة البقرة.
ومما جاء في مشروعيتها في نصوص الحديث الشريف، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك". وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان قبل الهجرة يحفظ ودائع أهل مكة، وعندما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن، وأمر علياً بن أبي طالب رضي الله عنه بالتخلف وراءه ورد الودائع إلى أهلها، ويبين الباحث أحمد محمد ديب بدلة أن هناك إجماعا من الفقهاء على جواز الوديعة في الجملة في كل عصر، ويلزم من مشروعيتها مشروعية عقد الوديعة لأنها تثبت به.