ضحايا السندات لن تموتوا .. مصيرها النهوض

ضحايا السندات لن تموتوا .. مصيرها النهوض

قبل سبعة أعوام ذهبت إلى اجتماع جميل تخليدا لذكرى والد أحد الأصدقاء، كانت الزهور تتفتح في كل مكان، إذا جاز التعبير. انهالت الخطابات المؤثرة، وقدمت بعض المرطبات اللذيذة.
كان روبن مونرو-ديفيز، والد صديقي، مؤسس وكالة فيتش – وهي اليوم وكالة التصنيف الائتماني رقم ثلاثة بعد وكالة موديز وإس آند بي. باعتباره مناقضا ساخرا كان سيضحك على تخفيض وكالته لتصنيف أقوى دولة في العالم الشهر الماضي.
أسواق السندات ليست سعيدة جدا. وصلت عوائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عاما قبل أسبوعين. كان اللوم في الغالب على الاقتصاد الأمريكي المتقلب، لكن وضع الديون الأمريكية، الذي أشارت إليه وكالة فيتش، أثار قلق المستثمرين أيضا.
بفضل بعض أرقام الوظائف الضعيفة الأسبوع الماضي، تعافت الأسعار قليلا. تجنبت الأوراق المالية قصيرة الأجل معظم انخفاض الشهر الماضي، لكن دخولي في السندات الأمريكية كان مؤلما. اشتريت ما قيمته 100 ألف جنيه استرليني في 29 مارس، وانخفضت قيمتها 4.5 في المائة. أما الصناديق المتداولة في البورصة المحمية من التضخم، التي اشتريتها إلى جانب ذلك انخفضت 7 في المائة.
لقد خسرت في رهاني الدخل الثابت هذين أكثر مما خسرته في مؤشر إس آند بي 500 خلال الفترة نفسها. حقا؟ لقد كانت سوق السندات صاعدة طيلة مسيرتي المهنية، التي امتدت لـ30 عاما تقريبا. كل أحمق أعرفه كسب المال.
كما أن حقيقة أنني لست وحدي في هذا لا تجعلني أشعر بالتحسن. ضخ المستثمرون نحو ربع تريليون دولار في صناديق السندات والصناديق المتداولة في النصف الأول من 2023، وفقا لبيانات "مورنينج ستار". كان الجميع – بمن فيهم عملاقة السندات بلاك روك – متفائلين.
هذا من شأنه أن يجعلني أركض بعيدا، لكنني كتبت في السابق عن شراء السندات في ديسمبر، وكانت الأمور تبدو مشرقة. كان التضخم يعتدل حول العالم. وكانت البيانات تؤكد أن ضغوط الأسعار كانت مدفوعة بالعرض وليس بالطلب.
بعبارة أخرى، كانت مؤقتة. وعلى هذا، فإن أسعار الفائدة كانت عند ذروتها، أو على الأقل قريبة من ذلك. يتم الآن التشكيك في هذا الرأي. في منتصف يوليو، توقع المستثمرون أن أسعار الفائدة القياسية في الولايات المتحدة ستكون أعلى قليلا من 3.5 في المائة بحلول يناير من العام المقبل. تجاوزت أسعار العقود الآجلة في الآونة الأخيرة 4 في المائة.
إذن هل سيعود التضخم؟ ماذا ينبغي على الذين لديهم صناديق دخل ثابت أن يفعلوا؟ في روح جديدة للتداول بقوة أكبر، لا أرغب فقط في امتلاك السندات لأسباب مثيرة للشفقة، مثل التنويع – إذا كانت توفر ذلك حتى.
لنعد إلى المبادئ الأولى، إذن. لماذا تتحرك أسعار السندات وما الذي سيحركها من هنا؟ مع احترامي لوكالة فيتش، لم يكن للمديونية الحكومية تأثير كبير على أسعار سندات الخزانة في الماضي.
وهذا لا يعني أنه لن يكون لها تأثير في المستقبل. لكنني أتذكر الفوائض المالية الهائلة، التي كانت الولايات المتحدة تحققها في أواخر التسعينيات مع ارتفاع عوائد السندات لأجل عشرة أعوام. على نحو مشابه، انخفضت تكاليف الاقتراض انخفاضا حادا بعد الأزمة المالية وفيروس كوفيد رغم إنفاق الساسة مثل المجانين.
كما أن للعرض ارتباطات منخفضة بأسعار السندات. لكن هذا لا يشبه بيع الأسهم، إذ إن الأسهم رأسمال دائم، ويتم تداولها فقط. أما السندات فينقضي أجلها وتصدرها الحكومات متى شاءت.
إذا كان هناك مزيد منها، فإنها ينبغي أن توفر معدل فائدة أعلى لجذب المشترين، إذا تساوت العوامل الأخرى. لكن مرة أخرى، تعد هذه قوة ضعيفة، مقارنة بما يهم حقا: أسعار فائدة البنوك المركزية الأساسية.
وهي بدورها تعتمد على التكليفات –التي عادة ما تكون مزيجا من تحقيق استقرار الأسعار والنمو. حتى وقت قريب جدا، كانت البيانات الاقتصادية الأمريكية تأتي بشكل عام محمومة أكثر من المتوقع. وأدى هذا إلى ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية وعوائد السندات.
من ناحية أخرى، أصبح التضخم معتدلا حول العالم في الآونة الأخيرة، بما في ذلك أمريكا. انخفض الرقم الأساسي في الولايات المتحدة ليوليو إلى 4.7 في المائة. ولم يعد انخفاض أسعار المواد الغذائية والطاقة هو العامل الوحيد الذي يساعد.
ولألخص كلامي، أعرب كثير من المستثمرين عن قلقهم من أن ارتفاع التضخم في مرحلة ما بعد كوفيد من شأنه أن يوجد دورة سيئة من مطالب الأجور القوية التي تدفع الأسعار إلى الارتفاع أكثر حتى. وسيصبح ما يدعى بالتضخم الذي يقوده الطلب راسخا.
لا يزال نمو الأجور في الولايات المتحدة مزدهرا. وهو بالتأكيد مرتفع للغاية إذا كنت تحلم بتضخم يبلغ 2 في المائة. لكن حتى في بلدان مثل المملكة المتحدة – التي لها تاريخ طويل من مطالبة العمال بمزيد من المال – يبدو الآن أن التضخم كان مدفوعا بقيود مؤقتة على العرض.
الآن خفت حدة هذه الأمور، فهل عادت الأمور إلى طبيعتها؟ الحديث الآن يدور حول فترات توقف مؤقتة وليس ارتفاعات. لكن لم يمض وقت طويل حتى بدأنا نكتب جميعا عن الركود المزمن، وننظر إلى الرسوم البيانية التي يرجع تاريخها إلى 200 عام، التي أظهرت أسعار فائدة منخفضة.
هناك عامل آخر قد يساعد الذين يراهنون على ارتفاع أسعار السندات: الصين. انخفض معدل التضخم في البلاد أخيرا إلى ما دون الصفر ليتحول إلى انكماش، وهناك جدل بين الاقتصاديين حول ما إذا كان في إمكان البلد تصدير بعض هذا الانكماش إلى الغرب عبر أسعار البضائع.
ليس لدي أدنى فكرة، لكن عندما تغير مخطط شركة يارديني ريسيرش البياني في أسعار التجزئة والمنتجين في الولايات المتحدة والصين على مدى العقدين الماضيين، يبدو أن الخطين يتحركان معا بالتأكيد، كما لاحظت "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي.
من المؤكد أيضا أن انخفاض الطلب الصيني سيساعد على إبقاء أسعار السلع الأساسية تحت السيطرة ــ وهو مساهم رئيس في ارتفاع التضخم الذي عانيناه بعد الجائحة. لكن مرة أخرى، سأترك هذا النقاش للخبراء.
لكن عندما يتعلق الأمر بما يجب فعله بشأن الصناديق المتداولة في البورصة ذات الدخل الثابت التي امتلكها، سألتزم بما خدمني جيدا بصفتي مستثمرا. لن أبيع الآن بعد أن أصبح البعض متشائما بشأن السندات. وبالنظر إلى البيانات الكلية، فإنني أفكر في شراء مزيد.
وهذا على الأقل يتناسب مع وجهة نظري الهبوطية بشأن الأسهم الأمريكية. إذا انهارت الأخيرة، فسيتبعها الاستهلاك والنمو، وسيعود الجميع إلى المطالبة بتخفيض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. وليس هناك شيء أفضل للسندات من ذلك.

سمات

الأكثر قراءة