حظوظ الظل والرصيف في المدن
أنسنة المدينة أو المدن مفهوم جميل وعميق، وهو باختصار يرتكز على تعزيز البعد الإنساني في بناء المدن وتوفير خدماتها، بمعنى حاجات الإنسان ورفاهيته مقدمة على غيرها، وقرار الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن عياف أمين مدينة الرياض بإزالة أسوار الحدائق الصغيرة والمتوسطة في أحياء العاصمة، يصب باتجاه تحقيق هذا الهدف نحو الوصول إلى مستوى أعلى من جودة الحياة، ولا شك أن هناك أفكارا أخرى تشغل بال المسؤولين في الأمانات والبلديات لتعميق وتجذير هذا المفهوم وتطبيقه بصورة أشمل، ومن تعزيز البعد الإنساني في المدن وشوارعها ومبانيها الاهتمام أكثر واستغلال الظل. أعتقد أن الظل منسي رغم الحاجة الماسة إليه في بلادنا التي تسطع عليها شمس ساخنة أشهرا عديدة في العام، وإذا أمطرت هطلت بغزارة في لحظات قصيرة.
إذا نظرت ودققت في المباني الضخمة والشاهقة الجميلة شكلا ستجد أن ما حولها يفتقر إلى الظل، لأن التصميم في الغالب مصندق لا بروز فيه، إلا أشكالا جمالية لا توفر ظلالا رغم أنها مواقع لحركة المشاة دخولا وخروجا ولانتظارهم أيضا، حتى في المباني المكتظة بالبشر مثل المدارس لن تجد ظلا يحمي الأطفال حولها رغم أنهم سيقفون هم أو أهاليهم كل يوم دراسي منتظرين ظهرا تحت أشعة شمس حارقة.
عنصر آخر يحتاج إلى إعادة تأهيل ـ بعد تأمل وتفكير في أنسب طرق التأهيل ـ وهو رصيف المشاة الذي ليس له في كثير من المواقع من اسمه نصيب، إذا نظرت إلى وظيفة الرصيف حاليا فهو في الحقيقة شكل جمالي، عبارة عن إطار أسمنتي للمنازل المتراصة، داخل الأحياء عرضه متر تقريبا وهو مشغول بحفر للأشجار بمعنى أنه غير مفيد للمشاة ليضطر الكبير والصغير للمشي في الشارع، كيف نوفق بين التشجير ووظيفة الأرصفة الأساسية؟ هذا سؤال كبير يحتاج إلى بحث وأفكار خلاقة.
أما في الطرق الكبيرة والرئيسة والمتفرع منها، في الغالب الرصيف تحتله إما كبائن هاتف أو كهرباء أو بقايا أعمدة لوحات إعلانية ودرج شاهق، إضافة إلى تعدي "التجاري" عليه، أيضا بعض المحال التجارية تقوم بإعادة رصف الرصيف ببلاط أملس "حسب المزاج" صحيح أنه يلمع ـ إذا تم تلميعه ـ لكنه يبقى خطرا كبيرا على المشاة. لقد أدى الاهتمام بالشكل الجمالي على حساب المنفعة للإنسان إلى الابتعاد عن أنسنة المدن فصار كثير من أرصفة الطرق طاردة لحركة المشاة.