وسطاء بنوك غربيون يبيعون على المكشوف في «مرابحات السلع» في بورصة لندن للمعادن
أبلغ «الاقتصادية» عالم شرعي على اطلاع واسع بتعاملات البنوك الإسلامية مع البورصات الدولية, أن بعض وسطاء البنوك الغربيين في بورصة لندن للمعادن LME يقومون بتنفيذ ما يعرف بالبيع على المكشوف Short-Selling - المحرم شرعا- مع مرابحات السلع، من دون علم المؤسسات المالية الإسلامية بذلك. وتأتي تلك التفاصيل الجديدة بعد أقل من أسبوع على التحقيق الذي نشرته «الاقتصادية» حول أنواع المرابحات الصورية التي تم اكتشافها أخيرا من قبل أحد الفقهاء الماليزيين.
وفي خطوة تكشف عن قرب نفاد صبر فقهاء الشريعة على البورصة التي تتخذ من لندن مقرا لها، ينوي البنك الإسلامي الآسيوي إيقاف التعامل مع بورصة لندن للمعادن بعد أن قال مستشاروه الشرعيون في آخر اجتماع لهم في سنغافورة, إن بعض معاملات (المرابحة) لا تمتثل للشريعة، بحسب ما نقله موقع بلومبرج الاقتصادي.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
أبلغ «الاقتصادية» عالم شرعي على اطلاع واسع بتعاملات البنوك الإسلامية مع البورصات الدولية أن بعض وسطاء البنوك الغربيين في بورصة لندن للمعادن LME يقومون بتنفيذ ما يعرف بالبيع على المكشوف Short-Selling - المحرم شرعا- مع مرابحات السلع، من دون علم المؤسسات المالية الإسلامية بذلك. وتأتي تلك التفاصيل الجديدة بعد أقل من أسبوع على التحقيق الذي نشرته «الاقتصادية» حول أنواع المرابحات الصورية التي تم اكتشافها أخيرا من قبل أحد الفقهاء الماليزيين.
وفي خطوة تكشف عن قرب نفاد صبر مستشاري الشريعة على البورصة التي تتخذ من لندن مقرا لها، ينوي البنك الإسلامي الآسيوي إيقاف التعامل مع بورصة لندن للمعادن بعد أن قال مستشاروه الشرعيون في آخر اجتماع لهم في سنغافورة, إن بعض معاملات (المرابحة) لا تمتثل للشريعة، بحسب ما نقله موقع بلومبرج الاقتصادي.
#2#
لكن متحدثا باسم البورصة البريطانية رد بأنهم «ليسوا خبراء في الشريعة، إلا أنهم يعلمون بأن «الأوراق القانونية»warrants هي عبارة عن مستندات تبين ملكية أو حيازة المعدن».
وفضل المتحدث تحاشي الإجابة عن سؤال «الاقتصادية» إذا ما كانوا قلقين من قيام المؤسسات المالية الإسلامية الأخرى باقتفاء أثر البنك السنغافوري بسبب وجود أعضاء هيئته الشرعية في عشرات المؤسسات المالية في الخليج وأوروبا.
ولم يستغرب الدكتور نيكن فيروزي المستشار في هيكلة المنتجات الإسلامية، ظهور تلك البيوع المحرمة التي جاءت نتيجة طبيعية «لعدم اكتراث» البورصات الدولية بمدى التزام هذه التعاملات بالأحكام الشرعية، وكانت النتيجة النهائية لذلك ظهور المرابحات الصورية, ويتابع: «لعل ذلك كان أحد الأسباب في تحريم التورق المنظم» في إشارة من المصرفي الغربي السابق إلى قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي الذي اعتبر التورق المنظم والتورق العكسي «تحايلاً» بهدف وضع قناع على استخدام الربا».
## أمن العقوبة
وعن «الشورت - سيلينج»، يقول مستشار شريعة، الذي فضل إيضاح هذه التفاصيل شريطة عدم الكشف عن هويته: «لا يخفاكم أن ما يسمى «شورت سيل» وهو أن يبيع السمسار سلعاً لا يملكها هو إجراء قانوني في بريطانيا، ومن يفعله لا يخالف القانون ولكنه غير مقبول من الناحية الشرعية. على ذلك فإن من يفعل مثل ذلك من السماسرة يفعله آمناً من العقوبة لأن القانون البريطاني لا يجرم مثل هذه الأفعال».
واقترح الفقيه ، الذي يحظى باحترام واسع لدى أهل الصناعة، على البنوك الإسلامية بعض الحلول التي قد تجنبهم هذه التعاملات غير الشرعية. حيث يقول: «يفترض على أي بنك إسلامي يتعامل مع الوسطاء أن يضمن في الاتفاقية شروطاً تمنعهم من بيع ما لا يملكون. وعليه تصبح هذه النصوص ملزمة للوسطاء. ومن ثم يكون بمخالفتها عرضة للعقوبة من باب مخالفة الشروط العقدية».
إلا أن الفقيه المصرفي أبدى قلقه من مواجهة البنوك عدة تحديات قد تعوقهم من تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات الخاصة مع الوسطاء، بقوله: «هذه مسألة دقيقة لا تجد النص على منعها موجودا في جميع الاتفاقيات المبرمة مع البنوك الإسلامية، إلا أنها موجودة في بعضها. أضف إلى ذلك أنه لا توجد (يقصد لدى البنوك الإسلامية) الأدوات الكافية للرقابة واكتشاف المخالفات (من قبل الوسطاء) إن وجدت».
ولم ينس الفقيه أن يتطرق لبعض الوسطاء الغربيين الذين ينفذون صفقات المرابحة بطريقة متوافقة مع الشريعة، «إن مرابحات السلع الدولية يمكن إجراؤها بطريقة سليمة من الناحية الشرعية وهذا ما نحرص عليه ونفترض أن الجميع كذلك، ولكن لا يمكن القول إن جميعها صحيحة وسليمة ومستوفية للمتطلبات الشرعية».
## لندن ترد
وفي تعليقه على الاقتراح الخاص بأن تتدخل بورصة لندن للمعادن في إلزام الوسطاء الذين يتعاملون مع البنوك الإسلامية بعدم تضمين (الشورت سيلينج) في الصفقات الخاصة بالمرابحة، يقول المتحدث باسم بورصة لندن للمعادن:» ليست البورصة في وضع يجعلها تضع القوانين الخاصة للذين يشاركون في المعاملات المالية الإسلامية.
يعلق نيكن فيروزي، رئيس شركة IFR Advisors للاستشارات الشرعية على تعامل وسطاء البنوك الغربيين بالبيع على المكشوف بقوله: «إن ذلك يتيح لهم اقتراض السلع بالسعر الفوري وبيعها. وفقاً للقانون البريطاني يعد هذا التعامل قانونياً ويعطي وسطاء السلع سبيلاً لتسوية العقود الآجلة على المكشوف حين لا يكون لديهم مخزون خاص بهم، ودون الاضطرار إلى التخلص من عقد البيع على المكشوف، وبالتالي يواصلون العمل من خلال نظرة تفترض تراجع الأسعار بالنسبة للسلع الموجودة في العقود». ويتابع فيروزي الذي كانت له تعاملات سابقة في السلع وبالتحديد الذهب:«لكن هذا النوع من التعاملات، حين يتم تطبيقه على سلعة المرابحة، فإنه يعني أن الوسيط المالي ربما يدخل في تعامل مالي، بحيث يبيع للبنك، وبعد ذلك يبيع للعميل مقابل ربح معين، باستخدام سلعة لا يمتلكها. ومن شأن ذلك أن يضفي مزيدا من الغموض على الالتزام، على اعتبار أنه وفقاً للشرعية, فإن الملكية في هذه الحالة تكون موضع تنازع من قبل أطراف متعددة، في حين أن ذلك يعد أمرا مقبولا وفقا للقانون الإنجليزي».
وهنا يقول ظافر صالح القحطاني، الرئيس التنفيذي لشركة دراهم كابيتال، المفروض على أي بنك ألا يمنح الوسيط أي مدخل في ثنايا العقد لتنفيذ الـ «شورت سيلينج». وإذا علم البنك أن الوسيط قام بهذا النوع من البيع المحرم، فعلى البنك في هذه الحالة أن يطالب الوسيط بتصحيح العملية عبر عكسها، مع إخراج الأموال الربوية لوجه الخير وتطهيرها.
## العلاقة الإسلامية للبورصة
يقول المتحدث باسم بورصة لندن للمعادن إن أساس العلاقة الرابطة بين البورصة والمالية الإسلامية هو «الورقة القانونية» warrants الصادرة من البورصة التي تضمن وجود مستودع لشركة ما. حين يصدر أحد المستودعات هذه الورقة، فإن الشركة صاحبة المستودع تتعهد بتخزين المعدن بالنيابة عن الشخص الذي يحملها. وتستخدم هذه الورقة في التداولات التي تتم في البورصة، من أجل تسوية العقود بتاريخ التسوية المذكور في العقد. وكل ورقة من هذه الأوراق القانونية تختص بكمية معينة من المعادن الذي يمكن تمييزها عن جميع المعادن الأخرى المخزونة في الشركة التي لديها المستودعات».وهنا يرد فيروزي على ذلك بقوله: «هل نستطيع أن نكون على ثقة بأنه لا توجد أوراق قانونية تصدر لأكثر من جهة حول السلعة المشتراة نفسها؟ من الذي يضمن أن الأوراق تمثل نحاساً فعلياً، وليس مجرد اسم لأحد المستودعات وشركة التخزين والميناء ورقم مكان التخزين؟ من الذي يضمن أن مكان التخزين (الذي تقول الورقة إنه يشتمل على المعدن) غير خال؟ إن بورصة لندن للمعادن ليس لها علاقة بكل ما ذكر».
ويواصل الشخص الذي ترأس في فترة ماضية قسم هيكلة المنتجات في دويتشه بانك: «الواقع أن تعبير «الورقة القانونية» الضامنة لوجود مستودع هو تعبير مضلل. أعتقد أن هذه الورقة تستخدم فقط لتسوية أحد العقود الآجلة في سلعة معينة (بمعنى أن ما يتم تسليمه هو الورقة القانونية وليس السلعة الفعلية إلى حامل السند في المستقبل والذي يختار أن يتسلم السلعة الفعلية). وحيث إنه لا يوجد تعامل يتم فيه التبادل، وإنما شهادة لحاملها، بالتالي لا نعلم أي شيء عما إذا كانت السلعة المذكورة بالسند هي سلعة فعلية».
وتفادى المتحدث التعليق عما إذا كانت البورصة على دراية بالأنماط الأربعة للمرابحات الصورية التي يقوم بها الوسطاء، حيث يقول:» لا يتم إبلاغ البورصة بالمعاملات الخاصة بالمالية الإسلامية، وعليه فلا تتوافر لدينا تفاصيل حول تعاملات بعينها. إلا أن الأوراق القانونية الخاصة بضمان وجود مستودع، من شأنها أن تتيح للبائع تحويل شبه فوري لملكية المعدن من البائع إلى المشتري، في حالة رغبة الطرفين في تحقيق ذلك».
وهنا يقول فيروزي، أستاذ مساعد سابق في جامعة ألينويس الأمريكية: «إن بورصة لندن غير مدركة وبكل بساطة للموضوع. يستطيع أي وسيط مالي أن يقترض إحدى هذه الأوراق القانونية warrants وأن يبيعها في التعاملات الخاصة بالمرابحة إلى أحد البنوك (ولكن هل سيتم بالفعل نقل ملكية تلك الأوراق القانونية إلى البنك؟) الجواب بالنفي على الأرجح, بالتالي فإن الوسيط المالي ربما يقوم بدور الوكيل ثم يبيعه إلى العميل (مرة أخرى نسأل: من الذي يمتلك السلعة، الشخص الذي اقتُرِضت السلعة منه أم البنك؟) ويواصل: «حيث إن الأمر كله لا يتعدى تبادل بعض الأوراق (أو حتى ربما لا يتم تبادل الأوراق أصلاً) فكيف يمكن رصد ذلك والتحقق منه؟».
## تحرك السلعة
يدور في الأوساط الاقتصادية الإسلامية تساؤل عن الحكم الشرعي حول السلع التي يجرى عليها التداول وهي موجودة في مخزن ما ولكنها لا تنتقل, إلا أن الأيدي تتداولها.
يقول القحطاني، مصرفي سابق:» إننا ننظر نظرة شمولية للعقد, فالعقد صحيح من الناحية الشرعية, ولكن المخالفات الشرعية تأتي مع تنفيذ العقد, فالفقهاء لا يهتمون بما يحصل خلف العقد, وهذا الذي نعترض عليه. ولكن هل من الشريعة الفصل بين الموضوعين؟» ويتابع: «من الأسئلة التي يجب التحقق منها, هل تم إيجاد عديد من عقود المرابحة لنفس السلعة أو المنتج في المستودع بحكم أنها لن تخرج من المخزن؟ ولكن ما الذي يمنع حدوث مثل هذا التلاعب؟ «في حين يرى محمد أيوب، باحث اقتصادي لدى البنك المركزي الباكستاني، أن تلك العملية (بقاء السلعة في مكانها) غير متوافقة مع الشريعة. يقول أيوب في أحد فصول كتابه Introduction to Islamic Finance:»إذا كانت عملية التورق «تُنَفَّذ من خلال بورصات السلع الدولية، التي يقوم فيها الوسطاء بلعب دور الوكالة مع بقاء السلع في مكانها دون نقل الملكية من البائع إلى المشتري، فإن هذه العملية تكون عرضة لمخالفة الأحكام الشرعية بصورة أو بأخرى، لأنها في هذه الحالة تفتقر إلى عدد من الشروط التي يجب توافرها في عملية البيع السليمة».
يقول القحطاني:«لست بعالم دين لأحرم أو أجيز. إنما أعتمد على فهمي البسيط لمبدأ إعمار الأرض ومكافحة كنز الأموال. وأسأل: ما القيمة المرجوة من بقاء السلعة في المستودع وعدم دخولها العجلة الاقتصادية؟ ما الفائدة للمصنع أو التاجر أو للاقتصاد ككل إذا لم يكن هناك طلب على منتجهم أو بضاعتهم نتيجة بقاء السلع في المخازن؟ من هو المستفيد من بقاء السلعة في المستودع مع استمرار المزايدة في قيمتها؟ ما هدف هذه المزايدة؟ هل هو الربح غير المعقول أم الاحتكار أو خلق التضخم؟ وتابع: «لا أرى سببا مقنعا للسماح بوجود هذا التعامل الذي لا يجني منه الاقتصاد أو المجتمع أي فائدة تذكر من جراء إلغاء مفهوم إعمار الأرض, حيث أصبحت المرابحة صورية وليست فعلية. ولم يتحقق من خلالها الفائدة الاقتصادية والاجتماعية التي تميز الصيرفة الإسلامية عن غيرها».
## قيام الحجة
معلوم أنه في السابق كان العاملون في صناعة المال الإسلامية يتحججون بأنه يصعب تسجيل حالات المخالفات الشرعية من قبل الوسطاء، ولكن بدأت الأمور في التغير بعد ظهور «المرابحات الصورية»، يعلق القحطاني على ذلك بقوله: «مما لا شك فيه أن الحجة أصبحت قائمة على الفقهاء, عليهم أن يتحركوا، وذلك عبر قيامهم بتمحيص عمليات المرابحة بالكامل, بمعنى عليهم ألا يكتفوا بالعقد وتراضي الطرفين، بل يوجدون في مستودعات البضاعة الأجنبية لكي يتأكدوا من وصول السلعة من عدمها».