بنوك تفشل وتهز النظام المالي

خلال العقود الماضية تبين أن الصدمات التي يتعرض لها النظام المالي لأي دولة تتسبب دوما في تكاليف مقلقة ومزعجة على مستوى الاقتصاد، قد تصعب معالجتها في المدى القصير وحتى المتوسط، وفي الأغلب فإن هذه الأزمات المالية تصنف من ضمن المخاطر المنتظمة، فهي التي تواجهها المؤسسات والشركات بسبب طبيعة أعمالها، فهي متأصلة في السوق ولا يمكن إزالتها من خلال تنويع الأعمال أو المحافظ، ومن تلك المخاطر احتمال حدوث انخفاض عام في السوق المالية أو الانكماش الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، أو التغيرات في معنويات المستثمرين، فهي تؤثر في جميع الاستثمارات إلى حد ما، ولا يمكن تجنبها عن طريق تنويع الاستثمارات أو عبر الأصول المختلفة.
ومن هذه المخاطر هناك نوع مهم آخر وهو مخاطر أسعار الفائدة التي تنشأ من التغيرات فيها، وتؤثر في قيمة الأوراق المالية ذات الدخل الثابت مثل السندات، كذلك التضخم يعد من المخاطر المنتظمة التي تؤثر في المسارات الاستثمارية والأعمال كافة، ومن تلك المخاطر التي تهدد استقرار النظام المالي قضية الابتكار، خاصة مع تزايد أعداد شركات التقنية المالية واستخدام المدفوعات الإلكترونية في العالم بشكل سريع، ولذلك تعد إدارة المخاطر المنتظمة جزءا حاسما من إدارة الأعمال الفعالة، بهدف تحديدها وتقييمها ومراقبتها، واتخاذ إجراءات للتعامل معها بشكل فعال. يتضمن هذا التحديد والتقييم تحديد المخاطر المحتملة وتقدير تأثيرها واحتمالية حدوثها. ثم يتم تطوير استراتيجيات للتعامل معها، سواء عن طريق تجنبها أو تقليل تأثيرها أو نقلها أو قبولها. ومن السياسات الشاملة لتقييم مخاطر الصدمات المالية التي يتعرض لها أي نظام مصرفي إجراء اختبارات التحمل المصرفي على المستوى الوطني أو الإقليمي، بل حتى الدولي كذلك، لاختبار مدى مرونة الأنظمة المصرفية مع سيناريوهات مختلفة للصدمة المالية، وتتم هذه الاختبارات كما أشرنا على المستوى الوطني، كمثل تلك الاختبارات التي تقوم بها البنوك المركزية الوطنية بشكل دوري، ومن الاختبارات فوق المستوى الوطني ما يقوم به المركزي الأوروبي، وهناك اختبارات دولية يقوم بها صندوق النقد الدولي.
وفي هذا الجانب تقوم هيئة البنوك الأوروبية كل عامين بإجراء اختبار التحمل على مستوى الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع البنك المركزي الأوروبي، والمجلس الأوروبي للمخاطر المنتظمة ESRB والسلطات الإشرافية الوطنية. ويغطي الاختبار أكبر البنوك التي يشرف عليها البنك المركزي الأوروبي بشكل مباشر. ويتم استخدام منهجية السيناريوهات المحتملة ويتم نشر النتائج الإجمالية والفردية بواسطة البنك المركزي الأوروبي.
وعلى المستوى الدولي فقد قام صندوق النقد الدولي أخيرا بتقييم التحمل عبر الدول واختبار ضغط عالمي جديد أكثر صرامة طبقه على نحو 900 مؤسسة إقراض في 29 دولة، وجاءت هذه الاختبارات بعد انهيار بنك وادي السيليكون ومجموعة كريدي سويس السويسرية ومقرضين أمريكيين آخرين. وكما أشرنا أعلاه فإن تلك المخاطر تشمل الاقتصاد الكلي والدولي والسياسي، وتمثل أهم المحركات للأزمات المالية العالمية، والعالم اليوم يمر بفترة من الاضطرابات الاقتصادية التي تمثلت في التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، مع نمو اقتصادي منخفض، في ظل مشكلات جيوسياسية كبرى وتهديدات عالمية لكل طرق سلاسل الإمداد العالمية.
وفي هذا الشأن أكد مسؤول في إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد، أنه نتيجة لاختبارات التحمل في مقابل كل هذه الأحداث العالمية فإن هناك عددا من البنوك الضعيفة في عديد من الدول، قد أدى رفع أسعار الفائدة في 2022 و2023 إلى خسائر فادحة في محافظ السندات الحكومية التي تحتفظ بها، الأمر الذي أثار بدوره مخاوف المودعين، ونتجت عنه سلسلة من الإخفاقات، ولأن البنك المركزي الأمريكي قد أبقى سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة ثابتا في نطاق 5.25 - 5.50 في المائة الشهر الماضي، في ظل هذه المخاطر ووفقا للاختبارات التي أجراها الصندوق فإن نحو 5 في المائة من البنوك على مستوى العالم معرضة للضغط إذا ظلت أسعار فائدة البنوك المركزية مرتفعة لفترة أطول، وإن 30 في المائة أخرى من البنوك - بما في ذلك بعض أكبر البنوك في العالم - ستكون معرضة للخطر إذا دخل الاقتصاد العالمي فترة من النمو المنخفض والتضخم المرتفع، أو "الركود التضخمي"، إضافة إلى ذلك يصنفها تقرير الصندوق وفقا لتعرضها لهذه المخاطر إلى بنوك ضعيفة وأخرى قوية، وتعد البنوك ضعيفة إذا انخفضت مستويات رأسمالها بما يزيد على خمس نقاط مئوية على مدى اختبار التحمل الذي أجراه الصندوق، أو أقل من حد أدنى قدره 7 في المائة، وبموجب خط الأساس، أكدت النتائج أن هناك نحو 55 بنكا تمثل 4 في المائة من الأصول العالمية يمكن تصنيفها كبنوك ضعيفة.
وفي ظل سيناريو الركود التضخمي فقد يتوسع هذا الرقم إلى 215 بنكا تمتلك 42 في المائة من الأصول، وهذا رقم مفزع حقا. ولم يحدد الصندوق البنوك التي يمكن أن تواجه مشكلات إذا نشأت تلك الظروف الاقتصادية، لكنها شملت الصغار والكبار على حد سواء، وانتهى التقرير إلى توجيه الحكومات لمزيد من الإشراف على بنوكها، وأكثر "تدخلا" لاتخاذ إجراءات تصحيحية "في الوقت المناسب وبشكل حاسم"، وتحسين مرونة البنوك من خلال تعزيز مستويات رأس المال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي