التعايش مع الدببة يثير انقساما في رومانيا
يضع دب رأسه بين قوائمه الأمامية، ويوجه خطمه نحو المارة على الطريق أملا في الحصول على أي تقدمات من الزائرين... ففي رومانيا، باتت هذه الحيوانات تخرج بشكل متزايد من الغابات، ما يثير مخاوف ونقاشات متزايدة.
وفي مواجهة الزيادة في هجمات الدببة، تمت زيادة حصص الصيد إلى 220 هذا العام، مقارنة بـ140 سابقا.
وترتفع الأصوات المطالبة بإعدام أعداد أكبر من هذه الحيوانات المحمية بموجب مذكرة أوروبية.
وفي الطريق إلى بحيرة سانت آن البركانية في ترانسيلفانيا، يخلد زائرون مذهولون اللحظة من دون أن يدركوا أنهم يزيدون المشكلة سوءا.
وفي هذا البلد -الذي يعد موطنا لأكبر عدد من الدببة في أوروبا باستثناء روسيا، حيث يقرب عدد هذه الحيوانات من 8000، بحسب وزارة البيئة- ليس من غير المألوف مصادفة دب خلال التنقل على الطريق.
لكن بعيدا عن حماسة الزوار، يشعر السكان المحليون بالقلق من هذا الازدياد في الأعداد.
"حياتنا في خطر"
هنا، ليست الذئاب ما يقلق الرعاة، بل هذه الثدييات الضخمة. ويقول تيبور فيكيتي لـ"الفرنسية": إنه يلحظ تزايدا في أعداد الدببة كل عام، وهو يخشى على أبقاره الـ70 في مرعى صيفي بالقرب من قرية لازارستي، إذ إن ثلاثا منها قضت في هجمات في عام 2023.
ويؤكد الرجل الأربعيني أن "الدببة تلحق الضرر وتعرض حياتنا للخطر"، وهو يتنقل محاطا بستة كلاب رغم "تكلفة رعايتها الباهظة".
ولا يبدو فيكتي مستعدا للتساهل، إذ ينادي بضرورة القضاء على الدببة، وهو رأي يبدو أن كثيرين في المنطقة يشاركونه فيه.
وعلى بعد 30 كيلومترا، اكتشفت بلدة ميركوريا سيوك دبا في فناء إحدى المدارس في صباح أحد أيام سبتمبر.
وأرسل رئيس البلدية على الفور فريق تدخل لإخراجه من الشجرة التي تسلقها. ولم يتردد في اعتماد الخيار الأقصى: فقد تم القضاء على الحيوان الدخيل حرصا على حماية 1700 تلميذ، كما يقول أتيلا كورودي.
ويضيف رئيس البلدية: "تخيلوا لو أصيب شخص ما... من سيكون المسؤول؟"، مؤكدا أنه اضطر إلى اصطياد عدد كبير من الدببة في الأشهر الأخيرة.
"ليست رومانسية على الإطلاق"
يقول وزير البيئة السابق، "أوروبا تنظر إلى رومانيا باعتبارها ملاذا، أو متحفا في الهواء الطلق"، مبديا أسفه لنقص المساعدات من الاتحاد الأوروبي.
ويضيف "الوضع ينظر إليه برومانسية، لكن الحياة اليومية مع الدببة ليست رومانسية على الإطلاق".
وقتل ما مجموعه 14 شخصا وجرح 158 آخرون في هجمات نسبت إلى دببة بين عامي 2016 و2021، وفق آخر الأرقام المتاحة.
وعلى الرغم من حظر الصيد التجاري منذ 2016 في رومانيا، وحصر الحق في إطلاق النار على الدببة بالعناصر المحلفين، قدم برلمانيون مشروع قانون للسماح بالقضاء على ما يقرب من 500 دب.
ويلوح بارنا تانكزوس القائم على هذه المبادرة، الذي تولى حتى وقت قريب خلى المسؤولية عن الملف في الحكومة، بسيناريو قاتم لدببة تتجول في شوارع العاصمة بوخارست أو "تستحم في دلتا نهر الدانوب".
لكن هذا الموقف يثير تنديد المدافعين عن الحيوانات، الذين يخشون أن يؤدي توسيع الحق في اصطياد الدببة إلى عودة هواة الصيد المعروفين بـ"صائدي الغنائم" الحيوانية.
حلول بديلة
وفي بلدة بايلي توسناد السياحية الصغيرة، وضع الصندوق العالمي للطبيعة حلولا بديلة مع منظمات غير حكومية.
ومن بين هذه الحلول، صناديق قمامة لا يمكن للدببة الوصول إليها، وتركيب 400 سياج كهربائي، وإطلاق تطبيق للهواتف المحمولة يقدم النصائح للسكان... ويبدو أن الوصفة نجحت. فقد تراجع عدد الشكاوى في هذا المجال من 50 في عام 2021، إلى الصفر.
ويوضح إستفان إيمكس عالم الأحياء، المشارك في المبادرة: أن "الدببة لن تختفي بين ليلة وضحاها، لكن إذا لم تشعر بأنه مرحب بها، فلن تبقى في المدينة".
ويندد الرجل المولود في المنطقة بموقف الزوار الرومانيين والأجانب على حد سواء، إذ يعمد كثير منهم إلى إطعام الحيوانات بشكل غير قانوني، ولا يجذبونها إلا خارج بيئتها الطبيعية. ومن بين الأسباب الأخرى، سوء إدارة النفايات ونقص الدعم.
وفي الشوارع، يقول لاسي، أحد السكان (47 عاما)، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه مطمئن من هذه الإجراءات. ويوضح "أي شخص يقول إنه لا يخاف من الدببة فهو إما كاذب وإما أحمق!".
وبناء على طلب زوجته، التي كانت متحمسة لرؤيته يسافر إلى الخارج للعمل، ركب لاسي سياجا كهربائيا حول منزله قبل بضعة أعوام.
ويوضح "لقد اعتدنا على العيش معا. إنها الطريقة الوحيدة الممكنة".