الدوافع الـ 5 لعدم اليقين الاقتصادي العالمي «2 من 2»

مع تزايد خضوع أدوات السياسة الاقتصادية للاعتبارات السياسية والجيوسياسية، فإن آفاق النمو العالمي الضعيفة بالفعل قد تتدهور. تواجه السياسة النقدية تهديدا لمصداقيتها وشكوكا هيكلية حقيقية بشأن مستوى توازن أسعار الفائدة مع التأثيرات المتأخرة المترتبة على دورة رفع أسعار الفائدة المكثفة بشكل ملحوظ. وعلاوة على ذلك، فإن تقلص الموازنات العمومية للبنوك المركزية، وغياب إطار فعال يتعلق بالسياسات، يؤديان إلى تفاقم التحدي المتمثل في تحديد أهداف التضخم الصحيحة ضمن اقتصاد عالمي يتسم بوجود عرض لا يتمتع بالقدر الكافي من المرونة.
في ظل العجز المتزايد، وارتفاع أقساط الفائدة، هناك أيضا سؤال حول من سيستوعب الارتفاع الكبير في إصدار الديون الحكومية؟ ولأكثر من عقد من الزمان، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المشتري الأكثر موثوقية للسندات الحكومية الأمريكية، بسبب قدراته التي يبدو أنها لا حدود لها على طباعة الأموال، وحساسيته القليلة عندما يتعلق الأمر بالسعر، لكن بعد أن اضطره التضخم وغير ذلك من التجاوزات، إلى التحول من التيسير الكمي إلى التضييق الكمي، فقد أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الآن بائعا صافيا يمكن الاعتماد عليه، كما يبدو أن المشترين الدوليين أصبحوا أكثر حذرا كذلك، ويرجع ذلك إلى حد ما إلى التوترات الجيوسياسية. علاوة على ذلك، فقد تراكمت بالفعل لدى عديد من المؤسسات الاستثمارية المحلية، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين حيازات كبيرة من السندات، ما أدى إلى تكبدها خسائر كبيرة، بحسب سعر السوق.
في غياب هذه المرتكزات الاقتصادية والتقنية وتلك المتعلقة بالسياسات، يصبح الاقتصاد العالمي وأسواق رأس المال أشبه بالقوارب التي تسير في بحر متلاطم الأمواج، بحيث لا يمكن التنبؤ به، ويقودنا هذا إلى المحرك الخامس لعدم اليقين العالمي: الاستجابة غير الكافية للأزمات طويلة الأجل، مثل تغير المناخ، واتساع عدم المساواة الاقتصادية، وكلما طال انتظارنا لمعالجة هذه المشكلات، زادت التكاليف التي سندفعها في نهاية المطاف. إن تصرفاتنا غير الكافية اليوم تضمن أننا سنواجه عقبات اقتصادية وسياسية أكثر تعقيدا في المستقبل.
كما أشرنا في كتاب "الأزمة الدائمة"، فقد تشكل عالم اليوم بفعل ثلاثة إخفاقات مستمرة: العجز المتكرر عن تحقيق نمو ثابت وشامل يحترم كوكبنا أيضا، والأخطاء المتكررة المتعلقة بالسياسات المحلية، والافتقار المستمر إلى التنسيق الفعال للسياسات العالمية، في وقت تتطلب فيه التحديات المشتركة العمل الجماعي. لقد كانت لكل هذه الإخفاقات تداعيات اقتصادية ومالية ومؤسسية واجتماعية وسياسية وجيوسياسية عميقة.
هذه هي الأخبار السيئة، أما الخبر السار فهو أنه لدينا القدرة على حل هذه المشكلات، وتحويل حلقات اليوم المفرغة إلى حلقات حميدة، لكن من أجل تنفيذ التحولات الكبرى المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى قيادة سياسية لديها رؤية مستقبلية على المستوى الوطني، وزيادة الوعي العالمي بالتحديات المشتركة التي نواجهها، وفي غياب مثل هذه القيادة، فإننا نجازف بأن نترك لأبنائنا وأحفادنا عالما يعاني عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي والاضطرابات السياسية الداخلية، إضافة إلى الاضطرابات الجيوسياسية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي