عصرنا المعرض للخطر والتهديدات الاقتصادية «3 من 4»

بداية ، نحن الآن نعيش "كسادا جيوسياسيا"، نظرا إلى التنافس المتزايد بين الغرب والقوى الأخرى في العالم فلا يزال من الممكن أن تتوسع الحرب الروسية الأوكرانية وإشراك حلف شمال الأطلسي. وربما الولايات المتحدة ـ على مسار تصادمي مع إيران، التي أصبحت على عتبة التحول إلى دولة مسلحة نوويا. تخاطر العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة ضد المدنيين في السابع من أكتوبر الماضي بتأجيج نيران صراع إقليمي أوسع نطاقا، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع آخر في أسعار الطاقة والسلع الغذائية. من ناحية أخرى، تستمر الولايات المتحدة والصين في الجدال حول النفوذ في آسيا ومصير تايوان. ومع إعادة تسليح الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلف شمال الأطلسي، والجميع تقريبا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وآسيا، أصبحت مستويات الإنفاق المرتفعة على الأسلحة التقليدية وغير التقليدية "بما في ذلك الأسلحة النووية والإلكترونية والبيولوجية والكيميائية" شبه مؤكدة.
ستكون المعركة ضد تغير الحياة الطبيعية و البيئية مكلفة بالقدر نفسه. من المتوقع أن تبلغ تكاليف التخفيف والتكيف مع التغيرات تريليونات الدولارات سنويا لعقود مقبلة، ومن السذاجة الاعتقاد بأن هذه الاستثمارات ستعمل جميعها على تعزيز النمو. ولنتأمل هنا حربا حقيقية تدمر قدرا كبيرا من رأس المال المادي لأي بلد. على الرغم من أن زيادة الاستثمار في إعادة البناء يمكن أن تؤدي إلى توسع اقتصادي، إلا أن البلاد لا تزال أكثر فقرا نتيجة فقدانها حصة كبيرة من ثرواتها. وينطبق الشيء نفسه على الاستثمارات. كما سيتعين استبدال حصة كبيرة من الرصيد الرأسمالي الحالي، إما لأنه أصبح بلا فائدة وإما لأنه مدمر بفعل الأحداث الناجمة عن التغير البيئي.
يواجه العالم أيضا معركة مكلفة ضد الأوبئة المستقبلية. ولأسباب متنوعة -يرتبط بعضها بتغير الطبيعة- سيصبح تفشي الأمراض التي من المحتمل أن تتحول إلى أوبئة أكثر تواترا. وسواء استثمرت الدول في الوقاية من الأزمات الصحية في المستقبل أو تعاملت معها بعد وقوعها، فإن التكاليف المرتفعة على أساس دائم ستزيد من العبء المتزايد المرتبط بالشيخوخة المجتمعية وأنظمة الرعاية الصحية وخطط المعاشات التقاعدية المدفوعة أولا بأول. تشير التقديرات بالفعل إلى أن هذه الالتزامات الضمنية غير الممولة أعلى من مستوى الدين العام الصريح بالنسبة إلى معظم الاقتصادات المتقدمة.
بوسعنا أيضا أن نتوقع تعبئة شبيهة بالحرب للتعامل مع التأثيرات التخريبية التي تخلفها "عولمة الروبوتات": وهو مزيج من العولمة والأتمتة الذي يهدد عددا متزايدا من الوظائف، بما في ذلك الوظائف الإبداعية والإدارية. وستتعرض الحكومات لضغوط متزايدة لمساعدة أولئك الذين تخلفوا عن الركب، سواء من خلال خطط الدخل الأساسي، أو زيادة التحويلات المالية، أو توسيع الخدمات العامة. وستظل هذه التكاليف ضخمة حتى لو أدت الأتمتة إلى زيادة في النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، ستكلف الولايات المتحدة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجرد دعم دخل أساس شامل ضئيل يبلغ ألف دولار شهريا.
ثم هناك المعركة ذات الصلة ضد تزايد عدم المساواة في الدخل والثروة. أصبحت هذه المعركة ملحة على نحو متزايد، والآن بعد أن تسبب الشعور بالضيق الذي يعانيه -عموما- الشباب وعديد من الأسر من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة في تأجيج رد فعل عنيف ضد الديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق الحرة واتباع سياسات اقتصادية متهورة وغير مستدامة، سيتعين على الديمقراطيات الليبرالية الإنفاق بكثافة لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لديها ـ كما يفعل عديد منها بالفعل.
أخيرا، ستتطلب إدارة الشيخوخة المجتمعية جهودا جبارة. ستضيف أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية المدفوعة أولا بأول إلى الدين العام الصريح "الذي وصل بالفعل إلى مستوى 112 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط عبر الاقتصادات المتقدمة" وهو دين ضمني في الأغلب ما يكون أكبر... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي