الصياد المنفرد
قد يغرك جمال منظر الثعلب ولون فرائه الجذاب ونظرة عينه الحالمة، ولكن هذا الجمال يخفي وراءه صيادا متفردا يستغل كل ما وهبه الله من قدرات في الانقضاض على فريسته دون هوادة. كائن غاية في الذكاء والحس العالي!
يمتلك الثعلب حواسا فائقة الدقة لتعقب الفرائس وقتلها، ومنها أذنان عاليتا الحساسية وعينان قادرتان على الرؤية الليلية، وحاسة إضافية حيرت عقول العلماء، فهو يعتمد في صيده على الصوت والمجال المغناطيس، إنها قدرات خارقة تساعد الثعلب على رسم صورة ثلاثية الأبعاد للمكان الفعلي الذي توجد فيه الفريسة، إنها خريطة أخرى غير التي يرسمها جهازه البصري.
وهي ميزة إضافية استثنائية تشبه ارتداء زوج إضافي من المناظير المغناطيسية، غير أنها تشكل جزءا أساسيا في جسمه، ولكن كيف لحيوان ذي قدرات محدودة استخدام المجال المغناطيسي، لقد آمن العلماء بميزات الثعلب التطورية في السمع والرؤية لمساعدته على الصيد، ولم يخطر في بال العلماء وجود تلك الميزة إلا في وقت قريب عام 2010 بعد مراقبة الثعلب الأحمر وهو يصطاد القوارض التي تختفي تحت الثلوج أو بين الأعشاب الطويلة، حيث لاحظوا أن نسبة نجاحه تزداد بشكل ملحوظ حين يكون في مواجهة اتجاه الشمال الشرقي، وبلغت نسبة نجاحة 75 في المائة، بينما باقي الاتجاه لم تصل إلا إلى 20 في المائة، فما علاقة الاتجاهات، خصوصا الشمال في قدرات الثعلب وزيادة دقته في الانقضاض على فريسته؟!
لقد وجدوا أن الثعلب يتسلل باتجاه صوت القوارض البعيد، وينتظر الوصول إلى البقعة المناسبة التي تحاذي فيها زاوية اصطدام الصوت بأذنيه منحنى المجال المغناطيسي للأرض، وعندها يدرك الثعلب أنه على مسافة ثابتة من فريسته، ويعرف لحظة انقضاضه عليها، ورغم أن كثيرا من الحيوانات والطيور تستخدم المجال المغناطيسي أو استشعار المجال المغناطيسي مثل الطيور المهاجرة والسلاحف وغيرها، إلا أن الثعلب الأحمر هو أول حيوان يعرف عنه استخدام هذه الميزة في الصيد!
ويعتقد العلماء أن السر يكمن في البروتينات الموجودة في شبكية عين الثعلب وتعرف بالكريبتوكرومات التي تمكنه من رؤية الشمال المغناطيسي على شكل حلقة ظلية تعمل كأنها جهاز لتحديد المدى الذي تجعل قفزاته العمياء أكثر دقة، بينما تعمل هذه البروتينات على تسوية إيقاع الساعة البيولوجية لدى البشر، وتستخدمها بعض الحيوانات للعثور على موطنها. ويحاول الباحثون استغلال هذه المادة الموجودة في عيون البشر، لكي يتمكنوا من استشعار المجال المغناطيسي والاستفادة منه!