ساعة الفصل .. التضخم عابر أم دائم؟
لقد لاقى نقاش هل هو تضخم عابر أم تضخم دائم تعريفات غامضة. ومع تراجع نمو الأسعار في الولايات المتحدة وأوروبا الآن، فإن أولئك الذين ينتمون إلى "فريق التضخم العابر" أصبحوا متعجرفين قليلا. لكن بالطبع، أي شيء يمكن أن يكون "عابرا" في إطار زمني غير محدد.
بعيدا عن الشكاوى المتعلقة بالتعريفات، فإن التضخم الذي يشهد انخفاضا سريعا اليوم ليس كافيا لإثبات أنه كان سيتلاشى من تلقاء نفسه في كل الأحوال. ما يهم هو ما إذا كان سيكون أعلى الآن لو لم تشدد البنوك المركزية السياسة النقدية. وهذا ما تشير إليه الأدلة.
لنتجنب الاستناد إلى إدراكنا للأمور بعد وقوعها، من المفيد أن نعود بأذهاننا إلى الوراء. كانت القوى المحركة التضخمية العالمية على مدى الأعوام الأخيرة مدفوعة بالجائحة والحرب في أوكرانيا. وأدى ذلك إلى صدمات في سلاسل التوريد والطاقة والغذاء. جادل بعض الناس أنه بما أن هذه الأمور كانت تتعلق إلى حد كبير بجانب العرض، الذي لا تستطيع السياسة النقدية تغييره، الذي سيتلاشى ببساطة بمرور الوقت على أي حال، فلم يكن على محافظي البنوك المركزية الاستجابة لها.
لكن ما كان يهم هو ما إذا كان نقص العرض، سواء كان عابرا أم لا، سيكون كافيا لإثارة قوى محركة تضخمية. وبما أن الصدمات المختلفة كانت غير محددة ـ فمن كان يعلم مدى السرعة التي قد تتمكن بها أوروبا من استعادة إمدادات الغاز، أو متى ستعيد الصين فتح أبوابها؟ – فقد خاطرت بتضخيم بعضهم بعضا وتغيير التوقعات وسلوك الأسواق. بالفعل، البنوك المركزية بدأت متأخرا في تشديد سياساتها عندما أصبح من الواضح أن توقعات التضخم ونمو الأجور بدأت في التحسن. لو لم يتحركوا ماذا كان سيحدث؟
عملت شركة أليانز ريسيرش على تفكيك الانخفاض بمقدار تسع نقاط مئوية في أمريكا في التضخم السنوي على أساس فصلي منذ الربع الثاني من 2022 باستخدام تحليل الانحدار. ووجدت أن 5.5 نقطة مئوية من الانخفاض كانت مدفوعة بالفعل بمشكلات سلاسل التوريد ببساطة. لكنها أيضا تعزو 2.7 نقطة مئوية أخرى إلى إشارات الاحتياطي الفيدرالي، التي ساعدت على ترسيخ توقعات التضخم مجددا. وتأتي 2.2 نقطة مئوية أخرى من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الذي يضغط على الطلب، وهو أمر ضروري لمواجهة التأثير التضخمي للسياسة المالية الداعمة ونقص العمالة.
وقال ماكسيم دارميت، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في شركة أليانز، إنه دون إجراءات الفيدرالي وكلماته الصارمة، فإن التضخم السنوي على أساس فصلي سيكون 6.1 في المائة في الربع الرابع من هذا العام مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، بدلا من 0.7 في المائة.
في المقابل، يمكن القول إن تجربة أوروبا كانت عابرة أكثر. فقد كان الانخفاض في معدل التضخم لديها مدفوعا في المقام الأول بتراجع صدمات أسعار الغاز الطبيعي والغذاء. لكن مع ذلك، كانت توقعات التضخم للعام المقبل تحوم حول 5 في المائة لمعظم 2022. وبلغ نمو الأجور المتفاوض عليها السنوي 4.7 في المائة في الربع الثالث.
قال أندرو كينينجهام، كبير الاقتصاديين الأوروبيين في شركة كابيتال إيكونوميكس: "لو ترك البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع دون الصفر خلال العامين الماضيين، ليس لدي أدنى شك في أن سوق العمل كانت ستكون أكثر تشددا اليوم، ونمو الأجور أعلى، وأن توقعات التضخم كانت سترتفع باحتمال كبير".
كما أن هناك أدلة متزايدة على حدوث تغييرات غير عابرة في أسواق العمل في الاقتصادات المتقدمة. يظهر بحث أجراه بنك التسويات الدولية أن التغير في الطلب على العمال يفوق التغير في العرض منذ الجائحة في كثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وهذا يعني أن هناك بعض الضغوط التصاعدية الكامنة على الأجور، ما يستدعي اتخاذ البنوك المركزية إجراءات لتقييد الطلب، خاصة إذا كان نمو الإنتاجية ضعيفا.
ويظهر بحث اقتصادي احصائي أجراه بنك إنجلترا أنه حتى في غياب أي صدمة تضخمية في عام 2020 وما بعده، فإن التضخم في المملكة المتحدة كان سيظل ضعف المستهدف بحلول الربع الثاني من هذا العام. ونظرا لمدى ضيق سوق العمل في 2019، كان يتعين على لجنة السياسة النقدية اتخاذ إجراءات لازمة على أي حال. لقد أدت الجائحة إلى انخفاض المعروض من العمال بشكل أكبر.
تتوقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يظل التضخم في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو والولايات المتحدة أعلى من المستهدف بحلول نهاية 2024، بما يراوح بين 2.5 وبين 3 في المائة. وقال بريان كولتون كبير الاقتصاديين في الوكالة: "الحقيقة هي أن التضخم الأساسي، وتضخم الخدمات، ونمو الأجور الاسمية، كلها تظل أعلى بكثير من المعدلات المتوافقة مع عودة التضخم إلى المستهدف على أساس مستدام. ويأتي هذا بعد 30 شهرا من القفزة الأولية في أسعار البضائع في أبريل 2021 وبعد 20 شهرا من تشديد السياسة النقدية السريع للغاية".
كان قدر كبير من العملية التضخمية الأخيرة عابرا بالفعل. لكن كانت هناك عناصر دائمة أطول أيضا. ومن بين العوامل العابرة، كانت هناك قوى محركة قد تصبح راسخة. وهذا جعل اتخاذ البنوك المركزية إجراء أمرا ضروريا. ولا ينبغي أن يكون تركيز الجدل منصبا على ما إذا كان عليها أن تتصرف، بل على مقدار ذلك التصرف. وهذا أكثر تعقيدا.