الفائدة والجدل المتجدد
في مقابلة قبل عدة أيام ذكر بل جروس Gross أحد أهم المجربين في سوق السندات أنه حان الوقت للبنك الفيدرالي لخفض الفائدة لما يرى من تباطؤ في النمو الاقتصادي والضغط على أرباح الشركات. يقابل ذلك أغلبية الوسط التحليلي الذي ينادي بخفض محسوب في النصف الثاني من العام.
ليس هناك خلاف على التوجه لكن هناك خلافا على درجة التحرك وسرعته، لكل مبرراته خاصة أن هذا عام انتخابي ولذلك العامل السياسي أكثر حساسية. أثناء متابعتي لهذا الجدل بدأت قراءة كتاب جيد عن "الفائدة" لإدوارد جانسلر Chancellor -عنوان الكتاب سعر الوقت- القصة الحقيقية للفائدة. الجدل في السياسة النقدية ليس جديدا ولكن الكتاب يوثق نواحي في السياسة النقدية وكان يعيد الحديث بمسميات جديدة فقط بعد ثلاثة قرون.
لن أراجع الكتاب لكن لفت نظري الجدل لرفع الفائدة وخفضها في القرن الـ17 بين رجل أعمال معتبر هو جوسياه جايلد الذي كان مديرا لشركة الهند الشرقية والفيلسوف جان لوك.
دار الجدل قبل الثورة الصناعية، يطالب جايلد بخفض الفائدة لما يرى أنها ستسهم في خفض عدم المساواة في المجتمع وتشجع المبادرين في الأعمال وتخفض الإنفاق على الرفاهية وتخفيض تكاليف التجارة -سياسات وجدت عرابها في الأسكتلندي Law بتجربة ماتعه في فرنسا لاحقا، بينما رأى لوك تبعات خفض الفائدة في عدة نقاط، منها أنه يفيد المصارف على حساب الأضعف في المجتمع ويوزع الثروة من الموفرين إلى المقترضين، والمقرض لن يكافأ لمستوى المخاطر العالية وأن المصارف قد تحجم عن الإقراض وأن سرعة تداول النقود ستقل وبالتالي ستنخفض الأسعار "كساد" وستتجه الأموال إلى الخارج بحثا عن عائد أعلى وسترتفع أسعار الأصول "في علاقة عكسية مع نسب الفائدة" وبالتالي تقل المساواة في المجتمع، أخيرا، لن تساعد الفائدة المنخفضة اقتصادا منهكا. اختصارا يقول لوك إن خفض الفائدة من قبل السلطات لا يجلب منفعة لاقتصاد تنقصه الصناعة وحسن التدبير والتوفير.
هذا الطرح ما زال مستمرا بكلمات ومسميات مختلفة ولكن في أساسياته وفروعه تجده في لجان اقتصادية ونقدية في جميع البنوك المركزية وخاصة المؤثرة منها.
يقول هاورد ماركس Marks إن الدورات لا بد أن تناقش وكأنها "كاملة" لتحديد نقاط البداية والنهاية ومعرفة أين نحن في كل دورة. الدورة الكبرى بدأت مع سياسة فولكر في عهد كارتر لكبح التضخم حين وصلت الفائدة قصيرة الأجل إلى 20 في المائة، ثم شهدنا انخفاضا مستمرا إلى أن وصلنا للصفر أثناء الكوفيد، بينهما كانت هناك دورات صغيرة وتذبذبات. الحاضر الجديد ارتفاع المديونية والضغط على المالية العامة جدلا.
في وقت السلم تقريبا في كل الاقتصادات المتقدمة والنامية. لذلك هناك توجسات من ضرورة خفض الفائدة للسيطرة على السياسة المالية وإنعاش النمو مقابل نصائح لوك التي لا تزال تناقش بين كبار المحللين في الصحف والبرامج التلفزيونية المالية وأروقة البنوك المركزية. الأقرب أن يكون هناك خفض للفائدة في الربع الثاني ولكن بوتيرة بطيئة نسبيا. إذ على الفيدرالي ضغط من عدم ارتكاب خطأ آخر حين تأخر في رفع الفائدة، كذلك لا بد أن للسياسة دورا في تهيئة الحالة الانتخابية.