المفاضلة بين الطعام والدواء في الأرجنتين تجعل الرعاية الصحية للسكان بعيدة المنال
في الصيدليات التي تعاني الأزمات، ينظر الأرجنتينيون إلى الأسعار الموجودة على حاويات الأدوية ثم يخفضونها مرة أخرى، وحتى المضادات الحيوية والعلاجات المزمنة لا يتم شراؤها، في بلد يتجاوز فيه التضخم السنوي 250 %، ما يعني أن الرعاية الصحية أصبحت ترفا لكثيرين.
وقالت الصيدلانية مارسيلا لوبيز من خلف مكتبها في العاصمة بوينس آيرس: "بين الأكل وشراء الدواء، يختار الناس تناول الطعام".
انخفضت مبيعات الأدوية في البلاد بمقدار عشرة ملايين وحدة - زجاجات أو صناديق - في يناير، وفقا لجمعية الصيادلة سيبروفار، وكان أكثر من الثلثين أدوية موصوفة من أطباء.
ويشعر المرضى اليائسون أيضا بأن نظام الصحة العامة قد تخلى عنهم، حيث أصبحت عديد من الأدوية غير متوافر منذ أن أمرت حكومة الرئيس خافيير مايلي، الذي تولى منصبه في ديسمبر، بإجراء مراجعة، كجزء من سعيه لخفض الإنفاق العام.
وقالت فيفيانا بوجادو، وهي طباخة (53 عاما)، "إنها اضطرت إلى الاختيار بين علاج الكولسترول والمضادات الحيوية وطعام خاص لابنها دانييل (16 عاما) لعلاج بكتيريا معوية"، لقد وضعت ابنها في المقام الأول.
ومنذ أن تولى مايلي، الذي وصف نفسه بـ"الرأسمالي الفوضوي"، السلطة، ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة 40 % فوق معدل التضخم، مسجلة 254 % على أساس سنوي، وهي واحدة من أعلى المعدلات في العالم.
وفي الوقت نفسه، وصلت مستويات الفقر إلى ما يقرب من 60 % في بلد يعادل الحد الأدنى للأجور فيه نحو 200 دولار.
وفقا لروبين ساجيم مدير "سيبروفار"، كان هناك اتفاق بين المختبرات وحكومة ما قبل ميلي لإبقاء الأسعار منخفضة، وقد تم التخلي عن ذلك منذ ذلك الحين.
ويقول الصيادلة "إن عديدا من المرضى المزمنين يقللون من جرعات الوصفات الطبية لمحاولة توفير المال".
وأفاد ساجم "هذا لا يخدم المريض، فعاجلا أم آجلا ستتدهور حالته الصحية وسيصبح كل شيء أكثر تكلفة، حتى بالنسبة إلى النظام الصحي، والأكثر تضررا هم المتقاعدون الأرجنتينيون والعاملون في القطاع غير الرسمي، الذين يمثلون 40 % من سوق العمل".
وانخفض معاش الدولة بمقدار الثلث على أساس سنوي في فبراير، ما جعل الحياة صعبة بالنسبة إلى أشخاص مثل جراسييلا فوينتيس (73 عاما)، التي تواجه صعوبة في علاج التهاب المفاصل الذي تعانيه. وتوفر الدولة لأصحاب المعاشات بعض الأدوية مجانا والبعض الآخر بأسعار مدعومة.
وقال فوينتيس، في إشارة ساخرة إلى علاجات مايلي المتكررة: "أتناول خمسة علاجات: اثنان منها مجانا، وأنفق 85 ألف بيزو شهريا (100 دولار) - أي ما يقرب من ثلث معاشي التقاعدي - لا يوجد مال".
بدوره يرى فابيان فورمان، رئيس بنك الأدوية المجتمعي الذي تديره مؤسسة اجتماعية، أن هناك زيادة هائلة في الطلب على العلاجات المجانية.
أما بابلو ريفيروس الذي يبلغ من العمر 20 عاما فيعاني "بيلة الهيموجلوبين الليلية الانتيابية"، وهو مرض نادر يهدد الحياة ولا يوجد علاج له، ويكلف العلاج للتخفيف من أعراضه التي تتفاقم سريعا 42 ألف دولار شهريا، وهو طلب مستحيل من والدته التي تعمل بالخياطة.
وبعد تشخيص حالته في فبراير من العام الماضي، تلقى ريفيروس الدواء من نظام الرعاية الصحية العام، لكن ذلك توقف في نوفمبر.
وقالت والدته استيلا كورونيل "إن عائلة ريفيروس لجأت إلى المحكمة للحصول على المساعدة، وقيل لها إن الدولة لا تمنعنا من الدواء، لكن علينا أن ننتظر التدقيق والمشكلة الوحيدة هي أن بابلو ليس لديه وقت للانتظار، وهو يضعف يوما بعد يوم".
ونفى مانويل أدورني المتحدث باسم الرئاسة الأسبوع الماضي انقطاع توصيل الأدوية للمرضى المصابين بالسرطان والأمراض الخطيرة الأخرى مثل مرض ريفيروس، وقال كورونيل: "إنه أمر مؤلم لأنك تشعر وكأنهم يضحكون في وجهك، لا يمكنهم إنكار شيء نعيشه."