ثورة الذكاء الاصطناعي بحاجة للرقائق والبرامج وأنابيب الغاز
أخيراً يمتد الحماس الشديد لكل ما له علاقة بالذكاء الاصطناعي، لينتشر في قطاع انطلقت بدايته الصاخبة قبل 160 عاماً، وهو خطوط الأنابيب.
أعلنت شركة إنتاج الغاز الطبيعي "إي كيو تي كورب" هذا الأسبوع استحواذها المفاجئ على شركة "إكويترانس ميدستريم كورب" المتخصصة في خطوط الأنابيب، والتي انفصلت عنها قبل ستة أعوام فقط. بررت "إي كيو تي كورب" عملية الاستحواذ، التي بلغت قيمتها 5.5 مليار دولار، بالأساس، كنوع من الاتحاد والتآزر للتحوط وخفض التكاليف، وهو ما يكتسب أهمية عندما تنخفض أسعار الغاز دون مستوى دولارين للمليون وحدة حرارية بريطانية.
ومع ذلك، كان هناك إضافة واحدة مثيرة للاهتمام في حديث الرئيس التنفيذي توبي رايس في مؤتمر هاتفي مع المحللين، تعلقت بأمر مرتبط أكثر بالقرن الحادي والعشرين.
قال رايس إنه النمو في قطاع توليد الكهرباء يشكل دينامية أخرى مثيرة للاهتمام نراها حالياً في تلك السوق... ويحدث ذلك تحديداً في السوق الجنوبية الشرقية التي يخدمها مشروع خط أنابيب "ماونتن فالي" (MVP)، ثم أضف إلى ذلك الطلب على الكهرباء من قطاع الذكاء الاصطناعي، الذي يخدمه هذا المشروع أيضاً في منطقة "زقاق مراكز البيانات"، وسوف تنشأ عنه فرص أكثر من ذلك بكثير.
ويهدف مشروع خط أنابيب "ماونتن فالي"، الذي تأخر كثيراً، إلى نقل غاز جبال الأبالاش وطرحه في الأسواق، وقد جرى تمريره أخيراً بقرار من الكونغرس. ومن المتوقع أن يبدأ قريباً تشغيل هذا الخط الذي ستمتلك "إي كيو تي كورب" 49% منه وتتولى تشغيله.
روح العصر وزيادة الطلب على الكهرباء
لهجة رايس مفعمة بروح العصر السائدة حالياً في سوق الأسهم. فالأنابيب المعدنية الكبيرة التي تمتلئ بأبخرة قابلة للاشتعال ليست عنصراً واضحاً في تصور الذكاء الاصطناعي. كما أن قيمة شركة "إنفيديا" المتخصصة في صناعة الرقائق، والتي يجسد صعودها الصاروخي مدى الحماس الصاخب للذكاء الاصطناعي، تعادل حوالي أربعة أضعاف رأس المال السوقي لقطاع نقل وتخزين الطاقة في أميركا الشمالية بأكمله.
ولكن بدون الكهرباء، تصبح جميع مراكز البيانات مجرد حظائر كبيرة. ولا يقتصر الأمر على أن العديد من تلك المراكز يقع في ولايات مثل فيرجينيا التي سيخدمها مشروع خط أنابيب "ماونتن فالي"، بل إن الغاز هو أيضاً أكبر مصدر بين مصادر توليد الكهرباء في الولايات المتحدة.
تشير توقعات استهلاك الكهرباء إلى ارتفاع مفاجئ في الطلب بعد سنوات من الثبات. فقد استهلكت مراكز البيانات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة كمية من الكهرباء في 2022 تعادل تقريباً مجموع الكمية التي استهلكتها ولايتا أوهايو ووست فرجينيا.
علاوة على ذلك، ضاعفت شبكة توزيع الكهرباء الإقليمية "بي جيه إم" (PJM)، التي تخدم مجموعة كبيرة من ولايات وسط المحيط الأطلسي، توقعاتها للنمو في المنطقة ثلاث مرات في وقت سابق من هذا العام، وعزت ذلك إلى تكاثر وانتشار مراكز البيانات.
وبحلول 2027، من المتوقع أن تتضاعف تقريباً سعة مراكز البيانات في الولايات التي تغطيها شبكة "بي جيه إم" بالإضافة إلى أسواق الجنوب الشرقي –وجميعها أسواق مستهدفة لغاز خط الأنابيب– مما يعني زيادة الطلب على الكهرباء.
نمو الاستهلاك وزيادة الأسعار
إن شركات إنتاج الغاز الطبيعي بالولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى مجال للنمو. ويعد توليد الكهرباء هو المجال المحلي الوحيد لنمو الطلب نمواً مؤثراً، والذي يتناقص تحت ضغط زيادة القدرات الإنتاجية من الطاقة المتجددة. وتشير الرسائل السائدة لشركة "إي كيو تي كورب" عن خفض تكاليف الوحدة، إلى ضعف هيكلي في أسعار الغاز.
ومع ذلك، هناك شيء ما يتعلق بطبيعة ذلك النمو. فمثلاً، سجلت ولاية تكساس زيادة مدهشة في أسعار الكهرباء في الصيف الماضي، على الرغم من استمرار توسع القدرات الإنتاجية للطاقة المتجددة والبطاريات على شبكتها، وكذلك ارتفعت أسعار العقود الآجلة لشهر أغسطس المقبل على مدى الأشهر الستة الماضية. ويرجع ذلك إلى نمو استهلاك الكهرباء نمواً هائلاً إلى درجة تلغي تأثير الزيادة من طاقة التوليد الجديدة. وعلى افتراض أن ثورة الذكاء الاصطناعي في مرحلتها الجنينية، فإننا على وشك أن نشهد زيادة ملحوظة في الطلب على الكهرباء في أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة، وسوف يلعب الغاز دوراً في تلبية ذلك الطلب.
"زقاق مراكز البيانات"
وكما هو الحال مع ضجيج الذكاء الاصطناعي نفسه، تتسبب التفاصيل هنا في بعض المشاكل التي من شأنها تعطيل ذلك النمو.
ففي تقرير حديث، أثار المحللون في شركة "كريديت سايتس" (CreditSights) للأبحاث مسألة "الأثر الاجتماعي" لمراكز البيانات. ولا يتعلق الأمر فقط بمزارع خوادم الكمبيوتر العملاقة التي تقام في الريف، بل هناك أيضاً مسألة تتعلق بالإنصاف.
تخطط إحدى شركات المرافق هي "دومينيون إنيرجي" لإنفاق ما يقرب من مليار دولار على خط نقل جديد للكهرباء في شمال فيرجينيا –وهي المنطقة المعروفة أيضاً باسم "زقاق مراكز البيانات".
وتوضح شركة "كريديت سايتس" أن التكلفة، كما هو معتاد في مشاريع البنية التحتية، سيتحملها جميع عملاء الشبكة المحلية. وبعبارة أخرى، قد لا يقتصر الأمر على إفساد نزهتك الصباحية بسبب ظهور مبنى جديد عملاق في الجوار، بل إنك ستساعد في دفع ثمن الأسلاك التي يحتاجها بفاتورة شهرية أعلى (ويدفع السكان بالفعل أسعاراً لكل كيلوواط/ساعة أعلى مما يدفعه المستهلكون للاستخدام التجاري). وتواجه شركة "دومينيون إنيرجي" بالفعل معارضة للخط الجديد، حيث نُقل عن أحد النشطاء المحليين قوله إن "شركة المرافق الاحتكارية التي ندفع ثمنها جميعاً تتحول إلى مرفق خاص تابع لقطاع مراكز البيانات، ويجب أن يتوقف ذلك".
الانبعاثات وتوزيع التكلفة والعائد
الموضوع الشائك المتعلق بتوزيع تكاليف وفوائد البنية التحتية قديم قدم شبكة الكهرباء نفسها. فعلى سبيل المثال، تحصل بلدة لودون في شمال فيرجينيا على إيرادات ضريبية من مراكز البيانات تكفي لتغطية جميع نفقات التشغيل لحكومتها المحلية. قد لا تكون التكلفة هنا واضحة بنفس وضوح الزيادة في فاتورة الكهرباء الشهرية، ولكن عوائدها واضحة بالنسبة للسكان رغم ذلك.
بالطبع، يمكن للصناعة في نهاية المطاف أن تسلك مساراً مختلفاً يعالج أيضاً تلك المخاوف المتعلقة بالانبعاثات الناتجة عن توليد الكهرباء باستخدام الغاز كما ظهر في بيع شركة "تالين إنيرجي" (Talen Energy) هذا الشهر مركزاً من مراكز البيانات في ولاية بنسلفانيا لشركة "أمازون". ولا يقتصر الأمر هنا على أن موقع المركز مشترك مع محطة كهرباء قائمة، مما يغني عن الحاجة إلى بنية تحتية جديدة للشبكة، بل إن تلك المحطة نووية، مما يوفر كهرباء خالية من الانبعاثات.
قد يوفر خط أنابيب "ماونتن فالي" طريقة غير مباشرة لشركة "إي كيو تي كورب" للاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي. فقط لا تستبعد العقبات التي سيشكلها الذكاء البشري الفج القديم.
خاص بـ "بلومبرغ"