هوس النمو على ضفتي الأطلسي
"اقتصاد منطقة اليورو بحاجة لارتفاع الإنتاجية، وزيادة في الاستثمار"
كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي
يبدو أن الأمور تسير وفق ما تتمناه رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، التي كانت معروفة قبل الموجة التضخمية العالمية، بأنها محاربة شرسة ضد رفع الفائدة. فهي تعتقد (مثل غيرها من المشرعين)، أن النمو لن يتحقق بالمستوى المطلوب في ظل تكاليف اقتراض مرتفعة، وأن "تحمل" التضخم مرتفعا قليلا، لفترة قصيرة، أفضل من كبحه بفائدة عالية. لكن الموجة كانت عاتية بالفعل، وضربت كل الاقتصادات بكل أحجامها وتأثيرها ومحوريتها على الساحة العالمية. ولذلك كانت "المعاندة" بلا جدوى، وكان لا بد من فائدة في منطقة اليورو تحاكي المسار التضخمي الكبير، وتقلل المسافة الزمنية لخفض تكاليف الاستهلاك إلى مستويات قريبة من الحد الأقصى الرسمي عند 2 في المائة، علما أن أداء الاقتصاد الأوروبي منذ مطلع العقد الحالي، لم يكن جيدا.
البنك المركزي الأوروبي يعتقد أن موعد تخفيف السياسة النقدية يقترب، والخطوة نحو الخفض قد تكون في المراجعة المقبلة لـ "المركزي"، بعد أن أبقاها في المراجعة الأخيرة عند 4.5 في المائة. فالحذر يبقى ضروريا في المرحلة المتقلبة الراهنة، خصوصا أن مع الاقتراب من كبح قوي لجماح التضخم، الذي بدأ عمليا منذ عامين تقريبا. واللافت، أن الأمر بشأن الفائدة في الولايات المتحدة لا يشبهه على ساحة منطقة اليورو. فرغم كل المؤشرات الجيدة في أكبر اقتصاد في العالم، ظل المشرعون على حذرهم من إطلاق التصريحات المتفائلة الخاصة بخفض تكاليف الاقتراض. صحيح أن المؤشرات تدل على أن الخفض سيتم قبل نهاية العام الجاري، لكن الصحيح أيضا أن سياسة التريث الأمريكية هي السائدة في الوقت الراهن.
لا شك أن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بأداء أفضل من نظيره الأوروبي، ولذلك فإن "التحفظ المفرط" من جانب المشرعين الأمريكيين لا مبرر له. وفي كل الأحوال لا بد للمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"، أن يتخذ قراره الحاسم والمنتظر في المراجعة المقبلة لمستويات الفائدة العامة. أما على الجانب الآخر من الأطلسي، فالأوروبيون ينتظرون قرار الخفض، لأن معدل التضخم يواصل بالفعل التراجع، في الوقت الذي تعقد فيه لاجارد أن النمو سيتحقق على مدار العام الحالي. وهذا يعني أنها تراهن على ارتفاع وتيرة الاقتراض خفض الفائدة، ولكن ستكون عمليات الاقتراض مقيدة، لكيلا يدخل "الانفلات المالي" إلى الساحة مجددا. الساحة الأوروبية تحتاج بصورة كبيرة لفائدة أقل من أجل تأمين مستوى نمو يخرجها من مستوى الصفر حاليا، في حين أن مستوى النمو الأمريكي في الربع الأول من العام الحالي بلغ 1.6 %.
ليس أمام الأوروبيين حاليا لتأمين مستوى ما من النمو في الأشهر المقبلة، سوى تدعيم ما يمكن وصفه بـ"اتحاد أسواق رأس المال". لكن كل هذا وغيره من عوامل تبقى معلقة في مسألة ما إذا حدثت مفاجآت في الفترة المقبلة، بما في ذلك إمكانية ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الاضطرابات الراهنة. وقتذاك، لن يكون أمام المشرعين الأوروبيين سوى البقاء ضمن إطار سياسة التشديد ولو لفترة أطول. والحق أن هذه السياسة هي الأداة الوحيدة المتوافرة في الاقتصادات الغربية عموما، من أجل تحقيق توازن اقتصادي مقبول. الأمريكيون تمكنوا من الوصول إلى المرحلة التي يمكن أن يلتقطوا فيها أنفاسهم، ويتحركوا بمرونة أكبر، أما الأوروبيون فلا يزالون خارج هذه المرحلة، على الأقل في النصف الأول من العام الحالي، وهم يناضلون من أجل أي مستوى من النمو، حتى لو بلغ 1 % قبل نهاية هذه السنة.