خبراء لـ «الاقتصادية»: مسؤولو الفيدرالي لا يعبأون بالآثار الضارة على الاقتصاد العالمي
مع اكتساب الدولار الأمريكي زخما مقابل عديد من العملات، نمت المخاوف من تأثير ذلك على جهود كبح جماح التضخم العالمي، خاصة في الأسواق الناشئة والاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، بحسب ما ذكره لـ"الاقتصادية" محللون دوليون.
وارتفع الدولار مدعوما بأسعار الفائدة الامريكية وعدم اليقين الاقتصادي العالمي والقلق بشأن نمو التجارة الدولية، وفاقم الارتفاع من الضغوط التضخمية في البلدان التي تضعف فيها العملات المحلية مقابل الدولار، ما أدى لارتفاع تكاليف استيراد السلع الأساسية.
وهنا يقول لـ"الاقتصادية" الاستشاري السابق في البنك الدولي الدكتور إس.إم. داني، إن "ارتفاع الدولار يؤدي إلى التضخم المستورد"، موضحا أن ارتفاع تكلفة السلع والمواد الخام المستوردة يضعف القوة الشرائية للمستهلكين، ويفرض ضغوطا تصاعدية على الأسعار ويزيد الاتجاهات التضخمية.
وأضاف أن الفيدرالي الأمريكي يركز بشكل مكثف على وقف زيادات الأسعار في الولايات المتحدة، لكن الاقتصاد العالمي خاصة الاقتصادات الناشئة والنامية والفقيرة يترنح تحت وطأة الحملة القاسية للفيدرالي لخنق التضخم الأمريكي.
وأشار إلى أن البنوك المركزية تضطر لرفع أسعار الفائدة بشكل أسرع وأعلى، فتضعف الفرص الاستثمارية لديها، وتتعزز تدفقات الأموال الساخنة للاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة البنكية، وتنسحب بمجرد تراجعها لتترك الاقتصادات يتهاوى، تحت ضغط نقص العملة الأجنبية، ومستويات تضخم مرتفعة للغاية.
وأوضح أن البنوك المركزية في البلدان المتضررة تواجه معضلة في التعامل مع قوة الدولار، في سعيها لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي واحتواء الضغوط التضخمية.
من جانبه، ذكر لـ"الاقتصادية" الخبير المصرفي لانكستر كيمبولتون، أن "البلدان تشدد السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة لوقف تدفقات رأس المال إلى الخارج، وتحقيق الاستقرار لعملاتها الوطنية، لكن رفع الفائدة يضعف الطلب المحلي والنشاط الاقتصادي الكلي ويفرض تحديات إضافية على افاق النمو".
وأوضح أن ارتفاع الدولار يزيد العبء الاقتصادي الواقع على اقتصادات الأسواق الناشئة التي تصارع لمواجهة تحديات خارجية أخرى أبرزها تعطل سلاسل التوريد، وتضطر لتنفيذ تدابير غير شعبية لتخفيف تأثير قوة الدولار على التضخم والاستقرار الاقتصادي.
بدوره، ينتقد الدكتور إس. آرثر أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة ليدز، السياسات النقدية للفيدرالي الأمريكي، ويتهمه بإيقاع الأذى بالاقتصادات الأخرى.
وقال لـ"الاقتصادية" إن "النظام المالي العالمي يشبه طنجرة الضغط في الوقت الحالي، بسبب النظرة قصيرة الأمد للمسؤولين في الفيدرالي الأمريكي، فجوهر سياستهم تعزيز قوة الدولار، ودفعوا به إلى أعلى مستوياته منذ عقدين من الزمان مقابل سلة من العملات الرئيسة، لتشجيع الأمريكيين على زيادة الاستهلاك، والسفر إلى الخارج".
وقال إن "مسؤولي الفيدرالي لا يعبأون بالآثار الضارة على الاقتصاد العالمي، ويسعون لتحميل مسؤولية التضخم العالمي للبلدان النفطية بدعوى ارتفاع أسعار الطاقة، لكن ارتفاع أسعار الدولار يعني عدم قدرة البلدان الفقيرة والناشئة على استيراد المواد الأساسية الغذائية، وديناميكية تصدير التضخم الأمريكي للخارج تزيد الضغط على البنوك المركزية المحلية".
وتتزايد التحذيرات الدولية من أن ارتفاع الدولار يدفع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لرفع الفائدة للتصدي للتضخم، والمحصلة زيادة مخاطر الركود العالمي وسلسلة من الأزمات المالية في الاقتصادات النامية والناشئة.
هذا الوضع يعيد للأذهان ما حدث في أوائل ثمانينات القرن الماضي وأسفر عن اتفاق صناع السياسات في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة على التدخل المنسق في أسواق العملة فيما يعرف باسم اتفاق بلازا.
ويشير الألم الذي يسببه ارتفاع الدولار للدول الأخرى إلى أن الوقت حان للتوصل إلى اتفاق جديد، وحتى تقتنع واشنطن بذلك سيواصل الفيدرالي الأمريكي مساره في تعزيز قوة الدولار، بما يبعد عن جفون محافظي البنوك المركزية في العالم إمكانية الاسترخاء قريبا.