ما تأثير عقوبات أوروبا لروسيا في إمدادات الغاز العالمية ؟
تبحث أوروبا وحلفاؤها منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا عن سبل لخفض إيرادات موسكو من الوقود الأحفوري، دون أن يتحمل مواطنو دول القارة عبء ارتفاع تكاليف الطاقة. والخطة الأحدث في هذا الصدد هي حظر استخدام موانئ الاتحاد الأوروبي لإعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال.
تعول منتجة الغاز الروسية "نوفاتك" على محطات التوقف بأوروبا في نقل الوقود المنتج في القطب الشمالي من كاسحات الجليد إلى الناقلات التقليدية. رغم أن تضييق الخناق على إمكانية استخدام الشركة تلك الموانئ لن يمنع وصول الشحنات إلى أوروبا، التي زادت وارداتها من الغاز المسال الروسي في أعقاب الحرب، إلا أن العقوبات ستجعل توجيه تلك الشحنات إلى دول ثالثة في آسيا أكثر صعوبة وتعقيدا، ما قد يثير غضب أكبر الدول المستوردة، مثل الصين أو الهند.
يناقش صانعو السياسات في الاتحاد الأوروبي الإجراء ضمن الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات على روسيا. رغم أن الخطوة قد لا تمثل حظرا مباشرا، ستعد أول مرة تفرض فيها أوروبا عقوبات ملموسة على الغاز المسال الروسي.
في حال الموافقة عليها، ربما تؤدي العقوبة إلى تداول كمية أكبر من الوقود الروسي في أوروبا. كما أنها قد تسبب مشكلات تعاقدية لشركات الخدمات اللوجستية الأوروبية، وتفضي إلى رد فعل سياسي سلبي من الدول الأخرى المستوردة للغاز.
ماذا ستستهدف العقوبة تحديدا ؟
لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من تكاليف الشحن، يعتمد مشروع "يامال إل إن جي"، الذي تشغله "نوفاتك"، ومقره في القطب الشمالي، على ميناءي زيبروغه في بلجيكا ومونتوار في فرنسا لنقل الشحنات من كاسحات الجليد الخمس عشرة إلى ناقلات تقليدية.
عادة ما كانت السفينة التي تصل تفرغ حمولتها في الميناء، وتحمّلها ناقلة غاز تقليدية في الوقت نفسه تقريبا. لكن ذلك لن يصبح ممكنا بعد الآن بموجب الحظر.
يولي مشروع "يامال إل إن جي" أهمية بالغة لمحطات التوقف، إذ تسمح للسفن المتخصصة بالعودة إلى المنشأة في القطب الشمالي، حيث تكون الظروف أقسى من أن تتحملها السفن العادية.
وتشير بيانات تتبع السفن إلى أن ما يصل إلى 8 شحنات روسية تنقل من سفينة إلى أخرى في أوروبا خلال أشهر بعينها. مع ذلك، فإن هذا العدد يتباين، وينخفض بمعدل كبير خلال شهور فصلي الصيف والخريف، عندما تقل كميات الجليد في طريق البحر الشمالي المار عبر القطب الشمالي، ما يوفر طريق وصول أسرع إلى الصين.
ما أثر ذلك في واردات أوروبا من الغاز المسال ؟
بلغ إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال الروسي 14.4 مليون طن في العام الماضي، وفق شركة الاستشارات "إنيرجي أسبكتس". فيما وصل حجم الشحنات المنقولة، التي ينقل فيها الوقود من سفينة لأخرى، إلى مليوني طن. ويشير السيناريو المرجح إلى أن فرض حظر سيؤدي إلى بقاء تلك الكميات الإضافية داخل الاتحاد، والذي تستحوذ فيه روسيا على نسبة 13 % من إجمالي واردات الغاز المسال.
على سبيل المثال، قد تفرغ "نوفاتك" الشحنات المتجهة إلى آسيا في أوروبا، وتستخدم عقود مقايضة مرتبطة بالموقع، وفق جيمس وادل، مدير قسم الغاز في أوروبا والغاز المسال العالمي في "إنيرجي أسبكتس". يعني ذلك أن على "نوفاتك" إيجاد مصدر آخر لتوريد الغاز إلى العملاء في آسيا.
أضاف وادل أنه نتيجةً لذلك "ستتعرض الحكومات الأوروبية إلى اتهامات بزيادة إمدادات الغاز المسال من روسيا، في حين أنها تزعم السعي إلى تقليصها إلى أقل حد ممكن".
هل يتأثر إنتاج الغاز المسال في روسيا ؟
العقوبات ستجعل الخدمات اللوجستية للشحن بالنسبة لروسيا أكثر تعقيدا، وقد تجبر السفن المتخصصة على الإبحار عبر مسارات أطول.
تتجنب أساطيل الشحن العالمي البحر الأحمر بعد الهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين في اليمن، ما يجبر السفن على تغيير مسارها للالتفاف حول إفريقيا. لذا، فتوجيه شحنات "يامال إل إن جي" مباشرة إلى آسيا سيرفع تكاليف الشحن والخدمات اللوجستية، وفق "إنيرجي أسبكتس"، كما قد يشغل كاسحات الجليد لمدة أطول.
إلا أن روسيا لديها بعض البدائل، فهي تنقل الشحنات من سفينة لأخرى قرب مدينة مورمانسك شمالي البلاد، والتي يمكن أن تستخدمها في تفريغ حمولة السفن. كما بإمكانها أن تستخدم طريق البحر الشمالي خلال الصيف، حيث يذوب الجليد وتتمكن أنواع سفن مختلفة من الوصول إلى المنشأة.
أما في حال فشل ترتيبات الشحن البديلة، فقد تنخفض صادرات روسيا من الغاز المسال. لكن موسكو كانت واسعة الحيلة في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على النفط.
ما تأثير الحظر في العملاء في آسيا ؟
قد تنخفض صادرات الغاز المسال من روسيا إلى الدول المستوردة في آسيا، أو يتزايد سعرها نتيجة تكاليف الشحن المرتفعة، وفق "إنيرجي أسبكتس".
يرى وادل أنه في حالة حدوث السيناريو الأسوأ، أي "إذا عجزت (نوفاتك) عن إعادة تشكيل شبكة خدماتها اللوجستية، وتوقفت صادرات الغاز المسال الروسي، فإن ذلك من شأنه أن يعيق أوروبا عن تنفيذ عقد مبرم بين روسيا والصين لتوريد 3 ملايين طن سنويا، ما قد يسفر عن رد فعل سياسي سلبي من بكين".
أضاف أن الاعتماد على طريق البحر الشمالي أو نقل الشحنات من سفينة لأخرى في مورمانسك يتوقف أيضا على حالة الجليد، ما سيؤدي إلى تأجيل الإمدادات المتجهة إلى آسيا للنصف الثاني من كل عام.
كيف يؤثر ذلك في الشركات الأوروبية ؟
تعول الشركات الأوروبية، مثل "سكيورينغ إنيرجي فور يوروب" الألمانية المملوكة للدولة، و"شل"، و"توتال"، على نقل شحنات "يامال" من سفينة لأخرى في مينائي زيبروغه ومونتوار، بموجب التزامات تعاقدية نشرتها الرابطة العالمية للدول المستوردة.
لن ينتهي أجل تلك الاتفاقيات قبل عامي 2038 و2041، ما قد يفسح المجال أمام إرسال إخطارات بوجود حالة قوة قاهرة أو نشوء نزاعات تعاقدية في حالة منع نقل الشحنات من سفينة لأخرى.
تحتاج "سكيورينغ إنيرجي فور يوروب"، على سبيل المثال، إلى شحنات "يامال" التي تنقل من سفينة لأخرى في ميناء زيبروغه للوفاء بعقدها طويل الأجل مع شركة "غايل" الهندية.
أطلع رئيس الشركة الألمانية "بلومبرغ" في وقت سابق من العام الجاري على أن إمدادات "يامال" قد تواصل تدفقها داخل القارة، إذا كانت منخفضة التكلفة من الناحية اللوجستية، وستزود الشركة "غايل" من مصادر أخرى.
أشارت "سكيورينغ إنيرجي فور يوروب" إلى أنها تراقب المستجدات، ورفضت الإدلاء بتعليق تفصيلي عن التبعات المتوقعة لحزمة العقوبات.
هل ستتضرر أطراف أخرى؟
قد تكون شركة "فلاكسيز" (Fluxys)، التي تشغل منشأة الغاز المسال في زيبروغه، واحدة من أكبر الأطراف الخاسرة، حيث شيدت الشركة صهريج تخزين مخصص في الميناء للوفاء بعقدها لمدة 20 عاما مع "يامال تريدينغ"، وهي الذراع التجارية لـ"يامال إل إن جي".
ربما تعلن المنشأة حالة القوة القاهرة في حال فرض عقوبات على نقل الشحنات من سفينة أخرى، وإلا ستتعرض لغرامات قد تصل إلى مليار يورو (1.1 مليار دولار) في حالة عدم تمكنها من تقديم الخدمة إلى "يامال تريدينغ" خلال ما تبقى من مدة العقد، وفق أحد توقعات السوق.
قال المتحدث باسم "فلاكسيز" إن الخدمات التي ستشملها العقوبات لم تتضح بعد، لذلك، فإن توقع الأثر الدقيق أمر محال.