هل لديك جينات الزهايمر؟
حاملو نسختين من جين APOE4 يواجهون أخطار عالية للإصابة بالزهايمر
في دراسة جديدة نشرت في مجلة "نيتشر ميديسن" (Nature Medicine)، قدم فريق دولي مكون من أطباء الأمراض العصبية حجة مقنعة مفادها أن الأشخاص الذين يحملون نسختين من جين يسمى (APOE4) ليسوا فقط معرضين لخطر الإصابة بالزهايمر، بل إنهم يعانون من صنف مميز من المرض، ومن المرجح جدا أن ينتج لديهم صفائح دماغية مميزة له عند سن 65 عاما.
رغم أن هذه النتائج تأتي مع تحفظات معينة، إلا أنها تمثل تداعيات مهمة في الأمد القريب على دراسة المرض وتشخيصه وعلاجه، لا سيما مع ظهور أدوية مثل "ليكمبي" (Leqembi) الذي أنتجته شركتا "إيساي" (Eisai) و"بيوجين" (Biogen)، وعقار "دونانماب" (donanemab) التابع لشركة "إيلي ليلي آند كو" (Eli Lilly & Co). وينبغي أيضا أن يحفز هذا الاكتشاف المضي قدما في علاجات تستهدف بشكل خاص البروتين الذي يشفره هذا الجين. كما تثير هذه النتائج سؤالا حرجا للعامة: هل ينبغي على مزيد منا معرفة ما إذا كنا نحمل هذه الجينات؟
جين مميز للمرض
منذ عقود، علم الباحثون أن الأشخاص الحاملين لجين (APOE4) معرضون أكثر للإصابة بمرض عصبي، فنسخة واحدة منه ترفع فرص الإصابة بالمرض 3 أضعاف، بينما تزيد نسختان الخطر بنحو 10 أضعاف أو أكثر. يمكن أن يتذكر كثيرون إعلان النجم السينمائي كريس هيمسورث خلال 2022 عندما كان يحمل نسختين من الجين، وهو خبر يقال إنه دفعه إلى التعامل مع حياته بتأمل أكثر قليلا.
وتنظر هذه الدراسة الجديدة بشكل أدق على هذا الخطر. فقد استخدم الباحثون مجموعتي بيانات تضمان أكثر من 10 آلاف مريض وأكثر من 3 آلاف متبرع بالدماغ، ووجدوا أن الأشخاص الذين يحملون نسختين من الجين سيطورون حتما علامات بيولوجية للمرض. ووجد أن 95 % تقريبا منهم كانوا يعانون من تراكم بروتين يسمى الأميلويد، وهو علامة مميزة لمرض الزهايمر، في أدمغتهم والسائل الدماغي الشوكي عند بلوغهم سن 65 عاما. ولهذا السبب، يرى الباحثون ضرورة عده شكلا جينيا مميزا للمرض.
تسهل هذه البيانات النظر إلى هذه الطفرات الجينية كمسبب للمرض. لكن ينبغي التوقف عند هذا الحد، على الأقل في الوقت الراهن. وإحدى العقبات الكبيرة تظهر في عدم إمكانية التنبؤ بعد بموعد ظهور أعراض مثل الارتباك والنسيان عليهم، إن ظهرت، رغم أن الدراسة توضح أن الجميع تقريبا يعاني من تجمع الأميلويد في أدمغتهم.
تظهر العقبة الكبيرة الأخرى في أن الأشخاص المشمولين في الدراسة جميعهم جاءوا من الولايات المتحدة أو أوروبا، ومعظمهم كان من ذوي البشرة البيضاء، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان وجود نسختين من الجين هو سبب المرض أو ما إذا كانت هناك عوامل جينية وبيئية أخرى تسهم في تطوره لدى هذه الفئة السكانية، كما يشير جيسون كارلاويش، المدير المشارك لدى مركز الذاكرة في جامعة بنسلفانيا.
ومع ذلك، قال كارلاويش عبر البريد الإلكتروني: "إنها دراسة محفزة تقدم استنتاجا، إذا جرى التحقق منه، سيحول كيفية تصنيف وتشخيص وعلاج مرض الزهايمر".
متى وكيف يمكن استخدام العقاقير؟
يمكن أن يكون التأثير الأكثر إلحاحا هو إعادة التفكير في موعد وكيفية استخدام العقاقير المعتمدة والتجريبية. وترى ريسا سبيرلينغ، وهي واحدة من مؤلفي الدراسة ومديرة مركز أبحاث وعلاج الزهايمر في مستشفى "بريغهام أند ويمنز" (Brigham and Women's Hospital)، أن هذه الأدلة الملموسة على إمكانية اكتشاف الزهايمر في الدماغ قبل أعوام من بدء ظهور الأعراض "تعد فرصة رائعة لمحاولة التدخل". وقد تكون الفوائد ملحوظة، فنحو 2 % إلى 3 % من السكان لديهم نسختان من جين (APOE4)، وهذا يمثل ما بين 15 % إلى 20 % من المصابين بالزهايمر.
لكن التدخل لعلاج المرض بالعقاقير المتوفرة حاليا سيكون معقدا بعض الشيء. فبالرغم من أن إدارة الغذاء والدواء وافقت العام الماضي على "ليكمبي"، وهو عقار يقضي على صفائح الأميلويد، هناك تحذير يشير إلى أنه قد يسبب آثارا جانبية خطرة لدى الأشخاص الحاملين لنسختين من جين (APOE4). وينطوي عقار "دونانماب"، الذي يخضع حاليا لمراجعة إدارة الغذاء والدواء، على أخطار مماثلة.
يعد المرضى الحاملين لنسختين من الجين أكثر عرضة للإصابة بتورم خطر في الدماغ أو نزيف في حال تناول العقاقير. وفي الدراسات السريرية، لم يتمكن "ليكمبي" من إبطاء التدهور الإدراكي لدى المرضى، غالبا بسبب تراكم كثير من الأميلويد في أدمغتهم بحلول وقت العلاج. وترى سبيرلينغ أن هذه البيانات الجديدة توحي بأن استخدام هذه العقاقير مع هذه الفئة من المرضى أمر يستحق أن يقام به، لكن في وقت أبكر وبحذر شديد، وبشكل مثالي ضمن سياق التجارب السريرية التي تركز على الوقاية.
مسارات المرض
يجب أن تفصل الدراسات المستقبلية بين الأشخاص الذين لديهم نسخة واحدة أو نسختان من جين (APOE4)، نظرا إلى اختلاف مسارات مرضهم. ويمكن أن توفر الدراسة الدقيقة لهؤلاء المرضى بمرور الوقت دروسا عامة حول كيفية ظهور المرض، ومكان وزمان التدخل. وينبغي بذل جهود أكثر في تطوير علاجات مصممة خصيصا لحاملي هذه الجينات. وظهرت خطوط صغيرة من العلاجات التي تستهدف (APOE4)، بما فيها علاجات جينية مصممة لزيادة إنتاج (APOE4)، وهو شكل من البروتين يعرف بأنه وقائي ضد المرض.
سيتساءل العامة بلا شك عما إذا كان ينبغي عليهم الخروج والخضوع لاختبار الجين.
هذا السؤال يشكل موضوعا للنقاش العميق. فمن جهة، ربما تثير النتائج قلقا بسيطا في حال عدم وجود علاج يعرقل مسار المرض. ومن جهة أخرى، يمكن للناس إجراء تغييرات في نمط حياتهم، أو الاستعداد لمستقبل قد يحتاجون فيه إلى رعاية طويلة الأمد، أو حتى البحث عن تجربة سريرية.
وينبغي أن يكون الاختبار أكثر انفتاحا للأشخاص الذين يعانون من أعراض غامضة داخل عيادات الأطباء، حتى لو كانوا في سن صغيرة. ومن المؤكد أن الاختبار ينبغي أن يصبح واسع الانتشار إذا تمكنت الدراسات من كشف متى ولماذا قد تؤدي العلامات البيولوجية إلى التدهور المعرفي.
في هذه الأثناء، يجدر بنا أن نكون متفائلين، خاصة أن تطوير العقاقير يتقدم، ويمكن لمثل هذه الدراسات أن تسرع علاجات الزهايمر، وأيضا طرق الوقاية منه.
خاص بـ "بلومبرغ "