الهند تواجه عجزها المالي بالتمويل الإسلامي
في وقت يحتاج الانتعاش الاقتصادي فيها إلى مزيد من التحفيز من جانب حكومة الهند, إلا أن هناك أيضا حاجة ملحة لحماية الاقتصاد من السقوط في فخ الديون بسبب انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 6.7 في المئة في العام 2009/2008 مقابل 9 في المئة في العام 2008/2007؛ حيث وصلت فائدة الديون إلى 58.83 في المئة من مجموع النفقات لعام 2008-2009. هذا يعني أن الحد الأقصى للايصالات ينفق الآن على الفوائد المترتبة على الديون والتي تمثل 15,87في المئة من الناتج المحلي الإجمالي, بينما وصلت إيصالات الديون إلى 9,87 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2009/2008. و كذلك كانت مدفوعات الفائدة 21.39 في المئة من إجمالي نفقات حكومة الهند و 5.77 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009/2008 ومن الجدير بالذكر أن العجز في الإيرادات في العام 2008/2009 هو بالفعل 30في المئة و ذلك بسبب ارتفاع نسبة فوائد الدين بالقياس إلى مجموع إيرادات النفقات
في محاولة لإيجاد الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع العجز المالي، لوحظ أن إيصالات الديون المتزايدة من جانب حكومة الهند بالقياس إلى إيرادات تمويل النفقات (خاصة فوائد الدين المرتفعة) زادت من الإعانات المالية على الغذاء و الوقود و الأسمدة؛ والتنمية الريفية من خلال بعض المشاريع مثل مشروع ضمان العمالة الريفية الوطنية و مشروع قرض المزارع ومشروع سارفا شيكشا أبهيان, و هذه المشاريع الثلاثة هي أهم عامل في ارتفاع العجز المالي. ومنذ أن كان هناك المزيد من التحفيز لعكس الركود في الجانب الاقتصادي, فإنه كان متوقعاً أن تزيد خطة المدفوعات حيث إن الركود قد يتسبب بانخفاض وصولات الإيرادات.
و قد يفرز هذا النقص في وصولات الإيرادات و الزيادة في خطط النفقات زيادة في العجز المالي ليصل إلى مستوى عال و غير مرغوب فيه.
ووجد من خلال العمل على خيارات مختلفة للتقليل من العجز المالي, أن بإمكان التمويل الإسلامي التخفيف من هذا العجز حتى لو انخفضت إيصالات الإيرادات و ازدادت خطة النفقات.
وتلعب منتجات التمويل الإسلامي دوراً بارزا في التقليل من العجز المالي في الاقتصاديات النامية عن طريق إحلال الاستثمارات القائمة على الشريعة الإسلامية من أجل البنى التحتية مكان الأموال المجمعة من خلال الأسهم القائمة على السندات الحكومية الخاصة بمشاريع البنى التحتية. ولنرى كيف يمكن للتمويل الإسلامي التخفيف من العجز الاقتصادي في وقتنا الحاضر.
وجدير بالذكر أن مجموع نفقات الإيرادات هو142.92 في المئة من إجمالي مبالغ الإيرادات مما يعكس عجزا في الإيرادات بنسبة 30.03في المئة. و السبب الرئيسي لهذا العجز المرتفع في الإيرادات هو ارتفاع نسبة فوائد الدين بالنسبة إلى إجمالي نفقات الإيرادات. ولاقتصاد نام مثل الهند، فإنه يتوجب علينا أن نصمم من خلال الخطة المقترحة على زيادة رأس مال النفقات, ولكن من خلال التقديرات المنقحة لميزانية 2008-2009 ، تبين أن نفقات الإيرادات كانت بنسبة 89 في المئة ورأس مال النفقات ليس سوى 11 في المئة من مجموع النفقات؛ وكل ذلك بسبب ارتفاع نسبة فوائد الدين و التي بلغت (66 في المئة) بالنسبة لمجموع نفقات الإيرادات. و بشكل خاص فإن نسبة تسديد الفوائد وحدها هي 24 في المئة من إجمالي نفقات الإيرادات. لذلك ، و في ضل انخفاض رأس مال النفقات بنسبة 11 في المئة فقط من مجموع النفقات و ارتفاع فوائد الديون التي تصل إلى 59 في المئة من مجموع النفقات، كيف يمكننا المضي في التخطيط لتعزيز نمو اقتصادي شامل؟
تمويلات الديون
الدين القائم على التمويلات الخاصة بالاستثمارات في إطار وثيقة الخطة الخمسية الحادية عشرة والتي اقترحت أن يكون 48.42 في المئة من مجموع المبالغ المحصلة للعام2008-2009 ، في حين كشفت تقديرات الميزانية المنقحة أن إيصالات الدين كانت 96.38 في المئة من إجمالي رأس مال الإيصالات في العام 2008-2009. وهذا يعكس عدم قدرتنا على توفير المبلغ المطلوب من غير إيصالات الدين، الأمر الذي سيتسبب في عجز مالي مرتفع بسبب ارتفاع مدفوعات الفائدة على إيصالات الديون المقترضة.
مصدر الاستثمارات
وفقاً لوثائق الخطة الحادية عشرة, فإن قيمة الاستثمارات المتوقعة في العام 2008-2009 يجب أن تكون 321,579مليون روبية بينما لوحظ أن مجموع رأس مال خطة النفقات في الميزانية المنقّحة كان12.84في المئة فقط من الاستثمار المستهدف في 2008-2009. و هذا الأمر يظهر عدم كفاءتنا على تعيين ميزانية التنمية لضمان نمو شامل ومعزز. لذا, فمن الأفضل لحكومة الهند أن تخفّض قروض الديون والتي تزيد في نهاية المطاف من العجز في الإيرادات؛ وتصب تركيزها على الاستثمارات في مجال البنية التحتية لتحفيز الاقتصاد في وقت تكون فيه معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات نمو العمالة في طور الانخفاض.
إيصالات الديون الفعلية
وبما أن التقديرات المنقّحة بشأن إيصالات الديون هي (326,515مليون روبية) وهي بالفعل 210 في المئة من احتياجات الديون المقدّرة (1,55,704مليون روبية) للعام 2008-2009 وذلك على النحو المتوقع من خلال وثائق الخطة الخمسية الحادية عشرة, فإنه يتوجب على حكومة الهند أن تفكر بجديّة بشأن هذه المبالغ المتزايدة من الديون . إن الأموال المخصصة لدفع فوائد الديون (530,010مليون روبية) هي بالأصل ما نسبته 162في المئة من إيصالات الديون نسبة للعجز المالي والذي بلغ ( 3.26.515 مليون روبية), و لهذا يجب على حكومة الهند أن تعيد النظر في ميزانيتها. فما مدى صحة زيادة إيصالات الديون في وقت كانت فيه الصناعات الهندية تبحث عن مزيد من قروض البنوك لمواجهة التحديات بعد انهيار الاقتصاد العالمي؟
مصادر الدين المرجّحة
لقد بلغت تكلفة العجز في ميزانية حكومة الهند في العام 2008-2009 ما قيمته 192,694 مليون روبية وكانت الحكومة تدفع هذا المبلغ كفوائد على إيصالات الديون المقترضة لتمويل العجز في الميزانية. يمكن أن يسمى هذا خسارة لحكومة الهند لأنه لو كان هناك إيصالات قائمة على العدالة بدلا من إيصالات الديون, لتمكنت الحكومة عندها من حفظ هذا المبلغ.
تمويل العجز المالي
لقد كان متوقعاً من خلال وثيقة الخطة الخمسية الحادية عشرة بأنه وفي حلول العام 2008-2009, لمواجهة احتياجات الاستثمار المقترحة بأن حوالي 50 في المئة من إيصالات الديون تساوي 63.207 مليون روبية والتي كان سيتم حشدها كرصيد للبنوك المحلية. على أية حال, فإن أرقام تخمينات الميزانية المنقّحة للأعوام 2008-2009 تقر بأن قروض السوق من جانب حكومة الهند(البالغة 261,972 مليون روبية) تزيد عن 80في المئة من مجموع إيصالات الدين. والتدفق المتزايد للقروض البنكية المدعومة للحكومة الهندية لتمويل العجز المالي من شأنه أن يخلق مشاكل للنمو الاقتصادي وذلك لأنه يتسبب بوضع عقبات أمام البنوك لزيادة دعم أرخص الحسابات للقطاع الخاص في وقت تحتاج فيه البنوك إلى التقليل من التكلفة الخارجية ومقاومة الركود الاقتصادي. و من الملاحظ أنه وبجانب انخفاض الاحتياجات الدولية, فإن إمكانية التمويل عن طريق الأسهم أو مصادر الحسابات الأرخص قد أثرت على مصداقية الأعمال. إن الأسهم في المصادر المالية ستختفي وذلك بعد نقص تدفقات رأس المال من أسواق البورصة بسبب انهيار الاقتصاد العالمي. كما انخفضت كل من الإعارات التجارية الخارجية وأرصدة التصدير. كل هذا أثر على معدل نمو الصناعات.
إلى جانب تقييم الانخفاض في معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي من 9.0 في المئة في 2007-08 إلى 6.7 في المئة في 2008-09 ، سيكون من المهم أيضا تحليل اتجاه النمو بالنسبة للصناعات المختلفة خلال العام الماضي. لوحظ أن الصناعة التحويلية التي تستخدم في الغالب عاملين من غير القطاع الزراعي انخفاضاً أعمق حيث انخفض معدل النمو السنوي الى 2.4 في المئة في 2008-09 مقابل 8.2 في المئة في 2007-08. وبالمثل، انخفض معدل النمو السنوي لقطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك إلى 1.6 في المئة في العام2008-2009 مقابل 4.9 في المئة قبل عام.
بيد أن الزيادة في معدل النمو السنوي للمجتمع، والخدمات الشخصية والاجتماعية ارتفعت بشكل ملحوظ لتصل إلى 13.1 في المئة في 2008-09 مقارنة بـ 6.8 في المئة في 2007-2008 الأمر الذي يعكس تأثير النفقات المتزايدة من قبل الحكومة وذلك من خلال تمويل مشاريع مثل مشروع ضمان العمالة الريفية الوطنية. ولكن سيكون من المهم أن نلاحظ أن هذه النفقات لم تؤد فقط إلى زيادة في العجز المالي و التي تتجاوز الميزانية المقدرة لـ2009-2010، حيث إن 9في المئة فقط من القوى العاملة الهندية شاركت في خدمات المجتمع, الاجتماعية وكان من المتوقع لها أن تستفيد من خلال هذه المشاركة.وبالتالي فإن التدفق الزائد من الإئتمانات المصرفية المدعومة للحكومة الهندية لتمويل العجز المالي سيؤدي في النهاية إلى تقييد النمو الاقتصادي.
هل هناك ما يخيف من أن يكون العجز المالي في الهند هو الأعلى؟
للحد من العجز المالي, فإنه من السهل إما أن نخفّض النفقات أو نزيد من الإيرادات ولكن في ظل الظروف الحالية، فإنه من المستحيل إما زيادة حصيلة الإيرادات أو خفض النفقات لأن أي زيادة في الضرائب ستكون أمرا كارثيا في وقت سيضرب فيه الكساد مجتمع الأعمال التجارية, وسط مطالبات بزيادة التحفيز ليسترد الاقتصاد عافيته من جديد. وعندما يكون هناك ضغط مرتفع لزيادة المحفزات، فإنه يفترض أن تزداد النفقات أيضا. وفضلا عن الوعود السياسية (لدعم المواد الغذائية وزيادة نفقات البرامج الرئيسية)فإن البرلمانيين الجدد يقومون كذلك قبل الانتخابات بزيادة خطة النفقات.كل ذلك من شأنه أن يزيد من احتمالية حدوث أي زيادة في العجز المالي الحالي.
ما الذي ينبغي أن تفعله الحكومة الآن؟
نظراً للقيود المفروضة لزيادة حصيلة الإيرادات وخفض خطة النفقات لكبح العجز المالي، فإن الحكومة الهندية بحاجة إلى ابتكار منتجات جديدة للتمويل العام. تقريبا 60 في المئة من إجمالي النفقات يقدم كفوائد للدين، لذا فإن الحكومة الهندية بحاجة إلى أن تحل إيصالات الديون محل صناديق الأسهم.
وبالنظر في الخيارات المتاحة من مصادر رؤوس الأموال في السوق الدولية، هناك فرص للحصول على أموال إسلامية، بدلاً من مجرد أموال الأسهم في البلاد الإسلامية. فأموال الأسهم على نحو ما مختلفة عن الصناديق الإسلامية في طريقة عندما تمتزج أموال الأسهم مع أموال الدين، فإنها لا تبقى على شكل أموال إسلامية.
يكتب دكتور الاقتصاد الإسلامي شرق نزار في مقالته < عن السندات الإسلامية (صكوك: «إنها عرض وتطبيق» ، إن الابتكارات الحديثة في التمويل الإسلامي قد غيّرت من القوى المحركة للصناعة المالية الإسلامية. وخاصة في مجال السندات والأوراق المالية وقد أصبح لاستخدام كل من الصكوك أو الأوراق المالية الإسلامية شعبية متزايدة في السنوات القليلة الماضية، بوصفها وسيلة لرفع أموال الحكومة وذلك من خلال القضايا السيادية, وكوسيلة لحصول الشركات على التمويل من خلال تقديم صكوك للشركات.
وكبداية متواضعة في عام 2000 مع ما مجموعه 3 صكوك بقيمة 336 ملايين دولار من مجموع عدد الصكوك بحلول نهاية عام 2007 قد وصلت إلى 244 مع أكثر من 75 مليار دولار أمريكي تحت الإدارة. ويلخص الدكتور شرق نمو الصكوك في الجدول المبين أعلاه.
الدراسات الحديثة حول الصكوك
يشير موقع http://online.wsj.com إلى أنه وبالرغم من عودة سوق الصكوك عودة متواضعة, إلا أن ذلك كان فقط لأعلى الشركات المصدّرة. وتظهر البيانات المالية على أنه تم إصدار أكثر من 7.6 بليون دولار أمريكي من الصكوك حتى في هذا العام. وتقريبا كل جامعي المال لهذا العام كانت الحكومات أو الجهات ذات الصلة بالحكومات, والأغلبية الساحقة كانت من دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا. و تعتبر السوق الشرق أوسطية والتي قادت الطفرة السابقة للعام 2007 كان لها دور أيضا في بث الحياة هذا الشهر مع إصدار صكوك بقيمة 500 مليون دولار من حكومة البحرين، والتي رفعت السعر إلى 750 مليون دولار بسبب الطلب القوي.
نطاق السندات الإسلامية في الهند
وبما أن الهند هي ثاني أكبر دول العالم سكاناً، فإنه من المتوقع ألا يقل عن 20 في المئة من المسلمين الهنود الذين هم أفضل حالاً من الناحية الاقتصادية والباحثين باستماتة عن الاستثمارات العقارية الإسلامية سيستولون عليها بحماسة. ولكن و للأسف فحتى الآن لم يتم إطلاق سندات إسلامية حقيقية أو صناديق استثمارية لأن كل ما يسمى على نحو ما بصناديق الاستثمار والأخلاقية يتم الخلط فيه بين صناديق الأسهم والديون. وعلاوة على وجود مصادر غير رسمية تشير إلى أن النظر في معدل نمو أعلى في الهند، فإن بعضاً من أكبر البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية مثل البنك الإسلامي للتنمية، وبنك دبي الإسلامي وغيرها ترغب في الاستثمار في البنية التحتية الهندية، ولكنها لا تجد فرصاً مناسبة. لذا فإننا نجد نطاق دراسة آفاق السندات الإسلامية (الصكوك) من الحكومة الهندية يجب أن يكون في تمويل البنى التحتية.
يمكن الحد من العجز المالي من خلال أموال الصكوك
بما أن عائدات حاملي الصكوك تأتي من العائدات الفعلية من المشروع فإنه لن تكون هناك احتمالية لوجود أي عبء على الاقتصاد. وفي حال وجود أي خسائر في مشروع محدد فإنه سيتم حسب الأصول المشتركة بين حاملي الصكوك. صكوك التمويل مما ينفي أية احتمالية لوجود عبء الفوائد على الاقتصاد ويزيل احتمالات العجز المالي بسبب مدفوعات المستحق من دفعات الفائدة على الديون المقترضة لتمويل احتياجات البنى التحتية من الاقتصاد. ولدينا أعلى نفقات للإيرادات، ارتفاع نسبة الفائدة على الدين من مجموع النفقات. والمشكلة هي أن رأس مال النفقات هو في كثير من الأحيان بسبب هدف ونسبة النمو لا يمكن تعزيزها إذا كان لدينا نقص في البنية التحتية. وهكذا وفي الوقت الذي نحن بحاجة فيه لتحفيز الاقتصاد, فمن الأفضل أن تقوم الحكومة الهندية بعرض الصكوك لأن ذلك لن يساعد فقط في بناء البنية التحتية, وزيادة رأس مال النفقات وتنشيط الاقتصاد، ولكن أيضا في خفض العجز في الإيرادات والعجز في نسبة فوائد الدين و العجز في الإيرادات .