دور المراكز البحثية في تعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية
تعد المراكز البحثية من أبرز المؤسسات التي تسهم في تطوير وتعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية لأي دولة كانت، فهي تعد إحدى نقاط القوة الإستراتيجية التي تساعد على تحقيق التفوق التكنولوجي والعلمي، وتسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والأمني، ولعلي في هذا المقال اتحدث عن التأثير الكبير لهذه المراكز في تحقيق الأمن والنمو الاقتصادي المستدام، إسهامها في تعزيز القدرة التنافسية بين الدول على الصعيدين الدفاعي والاقتصادي، وفي تحقيق التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة بشكل عام، وذلك من خلال استعراض لأهم الأدوار المختلفة التي تؤديها هذه المراكز البحثية في هذا السياق.
للمراكز البحثية دور أساسي وحيوي في تطوير التكنولوجيا سواء كانت دفاعية متقدمة أو قدرات اقتصادية ممكنة، ولعلي أبدأ بالقطاع الدفاعي، هناك عديد من المراكز البحثية التي تعمل على ابتكار وتطوير تقنيات جديدة يمكن استخدامها في المجالات الدفاعية المختلفة، بدءا من الأسلحة، والتجهيزات من المعدات وغيرها، وصولا إلى أنظمة الاتصالات والمراقبة المتطورة، أضف إلى ذلك إسهامها في تحسين الإستراتيجيات الدفاعية من خلال تحليل ودراسة سيناريوهات مختلفة باستخدام نماذج المحاكات الحاسوبية، ويمكن لهذه المراكز تقديم توصيات مبنية على بيانات مؤتمتة لتحسين الأداء الدفاعي والتقليل من نسبة الأخطار.
من هذه المراكز على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التي تأسست 1958 لتعزيز الابتكار التكنولوجي في الدفاع، حيث تسهم في تطوير عديد من التقنيات الدفاعية مثل الإنترنت والطائرات دون طيار وتقنيات التخفي، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومختبراته بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية، الذي يعمل على تطوير تقنيات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والطائرات دون طيار، وعديد من التطبيقات الدفاعية التي أصبحت تستخدم بشكل واسع في مهام متعددة، ما أسهم في تفوقها إستراتيجيا في هذا القطاع. ومن الأمثلة أيضا، يعد معهد البحوث العلمية للهندسة الميكانيكية هو أحد المراكز البحثية الرائدة في روسيا، وهو متخصص في تكنولوجيا الصواريخ والفضاء، وله دور بارز في تطوير أنظمة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ، ما عزز القدرات الدفاعية لها كدولة وأضاف لها ميزة إستراتيجية في ذلك.
أما من الناحية الاقتصادية فالدور الذي تقوم به المراكز البحثية في هذا المجال، يكون من خلال العلاقات والشراكات والتعاون مع الشركات بمستوياتها المختلفة، والعمل على تطوير منتجات وخدمات جديدة، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي بشكل عام، فعلى سبيل المثال، مركز الابتكار التكنولوجي في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية يعمل على تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع تجارية ناجحة، ما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي والعالمي، ومن الأمثلة أيضا هناك هيئة البحوث الأسترالية التي تعد أكبر هيئة للبحوث في أستراليا أنشئت 1949، تقوم بالبحث والتطوير في مجالات متنوعة مثل الزراعة، والصناعة، والطاقة، والبيئة فيها نحو 7300 موظف ثلثهم من العلماء الباحثين، يعملون في أكثر من 100 مختبر، ويبلغ إجمالي ميزانيتها 400 مليون دولار أسترالي ويأتي أكثر من أربعة أخماس هذا الميزانية من الدعم الحكومي والباقي يأتي من صناديق الائتمان التي تهتم بالصناعات الأولية أو المرتبطة بها، وهي تسعى إلى تحويل البحوث إلى حلول عملية تعزز من التنمية الاقتصادية فيها.
ويوجد عديد من المراكز والهيئات البحثية في السعودية، ويعد مستقبلها مستقبلا واعدا يحمل كثيرا من الفرص الاستثمارية، كونها تتبنى نموذج الابتكار المفتوح، الذي يشجع على التعاون بين الجهات الفاعلة المختلفة، بما في ذلك الشركات، الجامعات، وغيرها من ذات العلاقة، واهتمامها الكبير بالتحول والأتمتة الرقمية، كون ذلك يعد من الاتجاهات المستقبلية التي ستعزز من فعالية البحوث وسرعة الوصول إلى النتائج، وأضف إلى ذلك التركيز الواضح على الاستدامة كمحور مهم في عملها، وذلك يسهم في تحقيق تنمية أقتصادية مستدامة وقوة دفاعية رائدة.