هل تكون التقنية نقطة الانطلاق لقطاع الزراعة ؟

يشكل القطاع الزراعي أهمية كبيرة لرؤية السعودية 2030 الهادفة إلى التنويع الاقتصادي، حيث يعد الركيزة الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير سلاسل الإمداد للصناعات الغذائية. لكن تواجه القطاع تحديات عديدة، في مقدمتها نقص المياه، حيث تعتمد الزراعة في السعودية على المياه الجوفية غير المتجددة، الأمر الذي يوجد ضغطا على الحفاظ على تلك الموارد واستدامتها للأجيال القادمة. لكن مع التطور التقني في قطاع الزراعة، فقد تكون تلك فرصة السعودية لتحقيق الاستغلال الأمثل من الموارد المتاحة في القطاع.

[1] على المستوى الاقتصادي، شهدت مؤشرات قطاع الزراعة في السعودية تحسنًا في السنوات الماضية، حيث وصل إجمالي ناتج قطاع الزراعة والغابات والأسماك بالأسعار الجارية في 2023 إلى 109 مليارات ريال مقارنة بـ74 مليارا في 2016. على مستوى التشغيل وصل عدد العاملين في القطاع بحلول 2023 إلى 142 ألف عامل، وتسيطر العمالة الخارجية على النسبة الكبرى وذلك بنحو 122 ألف عامل. بالانتقال إلى التجارة الخارجية، تواجه السعودية عجزا مرتفعا في الميزان التجاري للقطاع، حيث وصل حجم وارداتها من المنتجات النباتية في 2023 إلى 39 مليار ريال، بينما بلغ حجم صادراتها 2.6 مليار ريال، بحجم عجز بلغ أكثر من 36 مليار ريال. وتسيطر ورادات الحبوب على الجزء الأكبر من الورادات الزراعية، حيث وصلت في 2023 إلى 18.4 مليار ريال مستحوذة بذلك على 47 % من إجمالي الواردات خلال نفس العام.

وبالنظر إلى الوضع الغذائي العالمي المتوتر سواء بسبب التوترات الجيوسياسية في أهم مناطق إنتاج الغذاء خصوصا في روسيا وأوكرانيا اللتين تشكلان نسبة مهمة من الإمدادات العالمية. أو التغيرات المناخية مثل الجفاف والارتفاع في درجات الحرارة والفيضانات المنتشرة التي طالت عديدا من الدول وتترك تأثيرا كبيرا في إنتاج عديد من المحاصيل المهمة مثل الحبوب، وتدفع تلك التغيرات الدول في بعض الأحيان إلى وقف صادراتها بهدف تلبية الطلب المحلي. وبالتالي فإن إمدادات الغذاء قد تتعرض لصدمات سواء من حيث مستويات الأسعار التي تقفز من عام إلى آخر أو بسبب عدم كفاية الإنتاج.

[2] لكن مع الدخول في عصر جديد تلعب فيه التكنولوجيا دورا مهما في مختلف القطاعات فقد تكون التقنية محطة بارزة في مستقبل قطاع الزراعة، وبالعمل على محورين مهمين الأول هو استهلاك المياه والثاني كفاءة الإنتاج ونوعية المحاصيل. على سبيل المثال يشكل الطلب الزراعي 84 % من إجمالي الطلب على المياه في السعودية، فيما تستهلك زراعة الأعلاف نحو 79 % من إجمالي استهلاك القطاع للمياه. وبالتالي يمكن أن تلعب التكنولوجيا دورا مهما في تلك الحالة، عبر الاعتماد على تقنيات حديثة مثل الزراعة المائية باستخدام التقنيات الحيوية التي تعتمد على تدوير المياه في غرف مقفلة وبيئة محكمة لا تتأثر بالأجواء الخارجية، إضافة إلى زراعة النباتات المائية (عدس الماء) لصناعة الأعلاف. تلعب التقنية أيضا دورًا مهمًا في كفاءة الزراعة عبر التطوير المستمر للبذور بجانب إجراء البحوث لتحديد الأراضي الصالحة للزراعة لتحديد أفضل الأماكن لزراعة المحاصيل ذات الأولوية للأمن الغذائي للسعودية.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحقيق النهوض بالقطاع إلا أنه ما زال يحتاج إلى سياسات متكاملة تساعد على تحقيق النمو المرجو. البداية تكون من تعزيز الإنفاق على البحث والتطوير في مجالات مثل البذور المحققة لكفاءة عالية في الإنتاج واستهلاك المياه، وذلك عبر التوسع في إنشاء مراكز البحث في مختلف أنحاء السعودية بهدف دراسة الخصائص الجغرافية لكل منطقة والمحاصيل الأنسب لها. تلعب أيضا السياسة المالية دورا مهما في تنمية القطاع، عبر توفير حزم مالية لدعم المزارعين سواء من حيث توفير حوافز مالية لمستلزمات الزراعة مثل التقنيات الحديثة والأسمدة أو العقود المحفزة المحققة للعائد لشراء الإنتاج من المزارعين، خصوصا من المحاصيل الإستراتيجية. ختامًا فإن بناء قطاع زراعي قوي يلبي متطلبات الأمن الغذائي المحلي لم يعد رفاهية في الوقت الحالي، في ظل ما يعانيه العالم من توترات جيوسياسية وتغيرات مناخية تؤثر في تدفقات الغذاء العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي