الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية تثير جدلا محتدما
تغزو الشركات الصينية أوروبا بعددٍ يتزايد من المركبات الكهربائية منخفضة الأثمان منذ عدة سنوات. تقود حملة الصادرات هذه شركة "بي واي دي" (BYD)، التي كانت بين أبرز رعاة آخر بطولات كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، ومعها في ذلك شركة "إم جي" (MG)، صانعة السيارات التي تخصصت في منتصف القرن الماضي بمركبات رودستر خفيضة الهيكل، واليوم تصدّر سيارات لها باب خلفي يفتح لأعلى ومركبات رياضية متعددة الأغراض من الصين.
بدأ هذا الجهد بعدد قليل من السيارات في 2019 لكن ذلك ارتفع العام الماضي إلى 175 ألف سيارة، وفقاً لباحثين من شركة "داتا فورس" (Dataforce)، وهذا تحوّل كبير يتابعه بقلق أعضاء مجالس إدارة شركات "فولكس واجن" و"ستيلانتيس" (Stellantis)، مالكة علامات "جيب" و"فيات" و"بيجو"، وغيرها من شركات السيارات الأوروبية.
زيادة التعريفات الجمركية
أسهمت الشركات الصينية بنحو 9 % من إجمالي مبيعات المركبات الكهربائية في القارة العجوز خلال 2023. وبرغم أن مبيعات المركبات الكهربائية لا تزال نسبتها صغيرة من سوق السيارات في أوروبا، فقد سجل عددها ارتفاعاً متسارعاً، إذ أن الاتحاد الأوروبي يعول على هذه التقنية لتعزيز الابتكار، خاصة مع اقتراب موعد التخلي عن سيارات الاحتراق الداخلي بحلول 2035.
يطرح ذلك تحدياً لصانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي، الذين يسعون في الوقت نفسه لحماية قطاع يوفر ملايين الوظائف مرتفعة الأجور خلال هذه الفترة الانتقالية.
خلص تحقيق من الاتحاد الأوروبي في مارس إلى أن الدعم الحكومي الصيني ساعد الشركات على بيع المركبات الكهربائية بأسعار منخفضة بشدة وقد أثر ذلك سلباً على المنافسة. لمواجهة هذا التحدي، أقر الاتحاد الأوروبي زيادةً مؤقتةً للتعرفة الجمركية تصل إلى 48 %. وقد دخلت هذه الضوابط حيز التنفيذ في 5 يوليو، لكن شركات السيارات المصدّرة لن تضطر لدفع الرسوم فعلاً إلى أن تصبح هذه القواعد دائمة، وقد انعقد الأمر على أن يبدأ ذلك في نوفمبر.
إلا أن أوروبا ليست على قلب رجل واحد حيال هذا القرار، ما يثير تساؤلات حول مدى صوابية فرض هذه الرسوم، التي قد تشعل حرباً تجارية مع بكين، بالتزامن مع تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً، وهو ما زاد الضغوط على الشركات المصنعة في كل مكان.
تضارب مصالح
لا تؤيد جميع شركات السيارات الأوروبية زيادة التعرفة، إذ تخشى رداً انتقامياً صينياً في سوق مهمة لديها، وأيضاً لأن السيارات الكهربائية التي تصنعها هذه الشركات في الصين ستتأثر هي الأخرى بالتعرفة. قال الرئيس التنفيذي لشركة "بي إم دابليو" أوليفر زيبس، في مؤتمر عبر الهاتف في 5 أغسطس: "ستقودنا هذه الرسوم إلى طريق مسدود ولن تساعد في جعل المصنعين الأوروبيين أكثر تنافسية".
كما لن تساعد البيانات الجديدة المتعلقة بتسجيل السيارات في حسم الجدل. إذ كانت شركات السيارات الصينية سارعت في يونيو إلى تسليم المركبات الكهربائية للوكلاء ليصار إلى تسجيلها قبل دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ، ما أدى إلى استنزاف مخزون تلك الشركات وقلّل عدد السيارات المتوفرة لديها للبيع في يوليو. نتيجة لذلك، انخفض تسجيل السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 45 % مقارنة مع يونيو، وفقاً لبيانات "داتافورس" التي تغطي 16 سوقاً في الاتحاد الأوروبي.
إلا أن سوق المركبات الكهربائية بشكل عام، بمعنى السيارات من إنتاج جميع المصنّعين، تراجعت بنسبة 36 % في جميع تلك الدول. قال ماتياس شميت، المحلل المستقل المتخصص بالسيارات في ألمانيا إن الشركات الأوروبية كانت أكثر حذراً في إدارة مخزونها. وأضاف: "رأينا اندفاعاً قوياً من الشركات الصينية" لإيصال السيارات إلى صالات العرض في يونيو، "ما أدى على الأرجح إلى استنزاف المخزون".
استمرار التفاوض
في الولايات المتحدة، قد تؤدي التعرفة الجمركية إلى مضاعفة أسعار السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، ما يعني عملياً إغلاق السوق أمام هذه المركبات. لتجنب هذه الرسوم، تسعى شركة "بي واي دي" إلى بناء مصنع جديد في المكسيك، وهي إستراتيجية لنقل التصنيع يمكن تطبيقها في الاتحاد الأوروبي أيضاً. إذ تخطط الشركة لإنشاء مصانع في كل من هنغاريا وتركيا، بينما تعمل شركة "شيري أوتوموبيلز" (Chery Automobile) على إنشاء مصنع في إسبانيا.
في غضون ذلك، تتجه شركات صينية أخرى نحو إقامة تحالفات مع شركات السيارات الأوروبية. فعلى سبيل المثال، أبرمت شركة "ليب موتور" (Leapmotor) شراكة مع "ستيلانتس" لإنشاء مصنع في بولندا.
تنخرط بروكسل في محادثات مع بكين بحثاً عن حلول أقل استفزازية لمعالجة مخاوفها، في وقت صعّدت فيه الصين حدة التوتر من خلال الردّ على التعريفات الجمركية الأوروبية بفتح تحقيق يستهدف صادرات لحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي. في حال الإخفاق في التوصل إلى اتفاق، ستصبح الرسوم الجمركية المؤقتة على السيارات الكهربائية الصينية دائمة بعد تصويت الدول الأعضاء، وهو أمر متوقع في أواخر أكتوبر.
في يوليو المنصرم، قال فالديس دومبروفسكيس، نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ إن "الأوروبيين مستعدون للتفاوض، لكن الواضح أن هذا الحل يجب أن يعالج هذا الاختلال في السوق".