سوء فهم لتأثير خفض الإنتاج النفطي المصدر
قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في بيان الخميس الماضي: "إن 8 دول في تحالف (أوبك+) وافقت على تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية لمدة شهرين حتى نهاية نوفمبر". وبلادنا إحدى هذه الدول. وللتوضيح، خفض الإنتاج المقصود به الإنتاج الخام المصدر، وليس ما يستهلك محليا. ونتج من هذا الخفض ارتفاع نسبي في أسعار النفط في السوق العالمية.
سبب الخفض تراجع أسعار النفط حديثا لأدنى مستوى تقريبا خلال عام 2024، لعوامل يطول شرحها. وكان متوقعا قبل أسبوعين ارتفاع الأسعار وهذا لم يحصل. وهذا التراجع السعري ليس فقط في أسعار النفط، بل انخفضت أسعار أصول أخرى بسبب عوامل يقف على رأسها مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي ومساره، وحصول ضعف نسبي في اقتصاد الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم.
السؤال الجوهري التالي: ما تأثير خفض الإنتاج المصدر على الاقتصاد الوطني؟ وبتعبير آخر: هل هذا الخفض وما تبعه من ارتفاع لأسعار النفط نعمة أم نقمة على الاقتصاد المحلي من واقع بيانات الناتج المحلي وإيراداته لدولة نفطية كبلادنا؟
بيانات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تقول إنه نعمة، ولكن بياناته بالأسعار الثابتة وحسب المنهجية السائدة تقول إنه نقمة، لأنه بالأسعار الثابتة يخفض حجم الاقتصاد من واقع بيانات الناتج المحلي، مقارنة بحالة عدم الخفض. وتعني الأسعار الثابتة تجاهل ما حدث من تغير الأسعار، والتركيز فقط على معرفة التغير في حجم الإنتاج.
وهنا مزيد توضيح للمشكلة. الخفض في الإنتاج، فتصدير النفط ينتج منه خفض الناتج المحلي النفطي عند تثبيت الأسعار. وتبعا ينخفض حجم الناتج المحلي المثبتة أسعاره حسب المنهجية السائدة عالميا. والنتيجة إعطاء أرقام عن حالة الاقتصاد ونموه خلاف الواقع، خلاف ما يراه ويشعر به الناس. ذلك أننا نعرف أن اقتصاد بلادنا يمر حاليا بمرحلة نمو وازدهار، طبعا تحت أولويات في السياسات العامة والإنفاق الحكومي. وهذا بفضل الله ثم جهود تطبيق رؤية 2030. والخلاصة: إن خفض الإنتاج النفطي المصدر حسب المنهجية السائدة سينتج خفضا في حسابات الناتج المحلي بالأسعار الثابتة. وفي هذا نوع تضليل.
تضليل لأنه مع خفض الإنتاج ترتفع أسعار صادراتنا النفطية، وتبعا تزيد إيرادات المالية العامة. وهي زيادة تخفض من حجم العجز في الميزانية، وتدعم زيادة الإنفاق العام لمصلحة الاقتصاد. ثم ماذا؟ حصول نمو اقتصادي أعلى من حالة عدم خفض الإنتاج. ومن المهم جدا أن يفهم أن خفض الإنتاج ليس السبب الوحيد في ارتفاع الأسعار. ولكنه السبب الذي يهمنا في هذا المقال.
حيث إن خفض الإنتاج المصدر يجلب مصالح على رأسها زيادة الدخل، فإن هذا يعني ضمن ما يعني منهجيا وجود مشكلة في الطريقة السائدة في قياس الناتج المحلي بالأسعار الثابتة لقطاع النفط، وفي دولة مصدرة له. إنها طريقة لا تعكس وضع الاقتصاد وما حققه الخفض من مصالح. والنتيجة أنها تجعل هذا القياس مضللا، خاصة على المدى المتوسط لبلادنا وغيرها من الدول التي تشكل صادراتها النفطية نسبة كبيرة من إنتاجها النفطي.
إذا اتضحت المشكلة، فالسؤال التالي: ما الحل؟
ينبغي التفكير جليا في الموضوع. ومن ضمن ما يطرح للحل أن يفرق بين الإنتاج الذاهب للاستهلاك المحلي وما يصدر أي يباع خارجيا بالدولار. في الثاني ينبغي تجاهل خفض الإنتاج الذي ليس بسبب أي خلل اقتصادي محليا. وتبعا أرى تعديل حساب الناتج المحلي بالأسعار الثابتة لقطاع النفط. وأساس هذا التعديل إما مراعاة تغير الدخل من التصدير، أو تجاهل خفض الإنتاج المصدر طالما لم يترتب عليه أي تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي. مثلا لم يتسبب نهائيا في عطالة أو مضرة بالاقتصاد، بل ما يحصل واقعا هو العكس. ومن ثم أرى أن تنتج الجهات المعنية وعلى رأسها الهيئة العامة للإحصاء إحصاءات بنسخة معدلة للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، بما يتلافى المشكلة، وبالله التوفيق.