البائعون وفرض الأسعار في الأسواق العالمية

سؤال جوهري: هل بإمكان البائعين فرض الأسعار كما يرغبون؟ في الغالب لا. ما سبق يقود للحديث عن أنواع الأسواق. من باب التبسيط إلى أقصى حد ممكن، ودون دخول في نقاش فني، بإمكاننا توزيع الأسواق إلى ثلاثة أنواع: تنافسية وقلة وانفرادية أي احتكارية، حسب التسمية المعاصرة، وليس حسب المعنى اللغوي التاريخي للكلمة "احتكار". وفي النوع الثالث هناك بائع واحد، وهو ما اشتهرت تسميته بالمحتكر، وقد يتعدد لكنه تعدد بسيط، وهو النوع الثاني. وقد يكثر البائعون بما يجعل السوق تنافسية. وهذه التنافسية قد تكون كاملة أو قريبة من الكاملة.

في حالة الانفراد فإن البائع (إذا لم تتدخل السلطات) يحدد الأسعار (أو الكميات المعروضة للبيع). ويعتمد قدر نجاحه في تعظيم أرباحه على عوامل كوجود بدائل، ومدى الرغبة في هذه البدائل. وهناك نوع من الانفراد تقتضيه المصلحة العامة. مثلا تعتبر المرافق العامة كالكهرباء والماء أوضح الأمثلة على الانفراد (الاحتكار). وتسمى أحيانا بالانفراد الطبيعي. لا، طبيعة هذه السلع وتكاليف إنتاجها تتطلب الانفراد. لكن في العادة لا بد من تدخل الحكومة في عملية وضع السعر.

أما في حالة قلة العارضين أي البائعين فإن مدى نجاحهم في تحديد السعر أو الكمية يعتمد على قدر التعاون بينهم. ويدخل في احتكار القلة وجود تكتل وهيمنة لبعض البائعين/المنتجين في سوق ليست تنافسية أصلا، بحيث يتمكن هؤلاء المتكتلون من التحكم في الأسعار أو الكميات.

ماذا في الحالة التنافسية؟

أهم صفات السوق التنافسية وجود عدد كبير من البائعين والمشترين بحيث يؤمن سيطرة واحد أو تكتل مجموعة منهم للسيطرة على السعر. لذلك يستبعد أن يكون هناك طرف مستغل (بكسر الغين) ومستغل (بفتح الغين)، ومن أمثلة السلع والخدمات التي سوقها تنافسية بالنسبة إلى المستهلك الغالبية العظمى من الأطعمة والمواد التموينية في محال التجزئة، والشقق السكنية وخدمات الحلاقة والصيانة وتأجير السيارات، وغيرها كثير في المدن، والكبيرة خاصة كالرياض وجدة، ما يعرف بوجود عارضين ومشترين كثيرين للسلعة نفسها.

لنا أن نصف الأسعار في الأسواق التنافسية بأنها لم تفرض من أحد، ومن ثم لا تنسب لأحد، أي إن البائع (أو مقدم الخدمة) يتبع سعرا موجودا في السوق، عكس حالة الأسعار في السوق الانفرادية أو ما شاعت تسميته بالاحتكارية.

بعض الناس يتعجب كيف ارتفعت الأسعار طالما أنها لم تفرض من أحد. ارتفاع الأسعار (التضخم) في هذه الحالة شر لا بد منه، وهو باختصار يعكس أساسا أسبابا أخرى كزيادة النقود وزيادة الطلب وارتفاع التكاليف.

إن الفروقات التي نراها في أسعار السلع التنافسية تعكس هامشا يتناسب مع ظروف كل محل، لكن من الصعب جدا أن نتوقع وجود فوارق جوهرية باستمرار.

هناك سلع محتكرة من طرف وتباع في أسواق تنافسية من طرف آخر: وهي سلع تباع في محال كثيرة في أماكن متباعدة، لكن الذي يبيعها على هذه المحال واحد أو عدد محدود يسهل وجود تكتل بينهم، أي إن بائع الجملة يعد منفردا.

السؤال في هذه الحالة: هل لهذه السلع بدائل أم لا؟ وجود البدائل يلغي قدرة بائع الجملة على فرض السعر الاحتكاري. لكن المشكلة عند عدم وجود بدائل. السؤال الآن: ما مدى أهمية هذه السلع للمستهلكين أو المشترين؟ في السلع الضرورية لا بد من تدخل الدولة بطرق مؤثرة في السعر. أما في حالة السوق التنافسية، فإن الأصل أنه لا يحبذ أن تتدخل الحكومة بتقييد السعر أو الكمية.

قد تتدخل السلطات في تثبيت أسعار سلع أساسية سوقها تنافسية، في أحوال خاصة كحدوث نقص في العرض، نتيجة أمر عارض كوقوع أزمات أو كوارث تتسبب في نقص المتوافر من سلعة أساسية للناس، ومن ثم ترتفع أسعارها. من المهم أن يكون التثبيت مؤقتا، وأن يسبق تطبيقه تناول جوانب المشكلة بتمحيص وبحث عميقين تقليلا للأضرار وعيوب التنفيذ. كون التسعير مشروعا تحت ظروف وحالات، إلا أن ذلك لا يعني الكمال، فهو ليس خاليا من التأثيرات السلبية المحتملة الوقوع. نقاشها يطيل المقال. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي